بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه. أما بعد،
يُعَدُّ صلح الحديبية من أهم الأحداث التي جرت في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جرى هذا الصلح في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، والذي يوافق بالتاريخ الميلادي: شهر آذار من عام 628م، وقد خاض الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل هذا الصلح العديد من الغزوات، ومنها: غزوة بدر، وغزوة أحد، وغزوة بني النضير، وغزوة بني قريظة، وغزوة الأحزاب، وغيرها.
بدأت القصة عندما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة من الهجرة في شهر ذي القعدة هو وألف وخمسمئة من أصحابه إلى مكة لأداء مناسك العمرة، وقد كانت مكة في ذلك الوقت بأيدي الكفار، فما إِنْ علمت قريش بذلك، حتى تأهبت وتهيأت لقتال المسلمين، وعندما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، تفادى الصدام معهم، وقام بتحويل طريقه عن مقاتليهم، حتى وصل الحُدَيْبِيَة، والحديبية: هي قرية تبعد عن مكة مسافة 20 كم تقريباً، وفيها بئر ماء.
وقد عَسْكَر الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه في الحديبية، وأرسل إلى المشركين عثمان بن عفان للتفاوض معهم، ولكن بعد مدة من مكوث عثمان عند المشركين، بَلَغَ الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد قتل، فقرر الانتقام ومقاتلة المشركين إنتصاراً لعثمان، واستعدادًا لهذا القتال قام الرسول صلى الله عليه وسلم بِعَقْد بيعةٍ بينه وبين أصحابه، وسميت بـ (بيعة الرضوان)، ولكن لما بَلَغَ الرسول أن خبر مقتل عثمان لم يكن صحيحاً تراجع عن هذا القتال، وقامت قريش من طرفها بإرسال العديد من الرسل للتفاوض من الرسول، إلى أن إنتهى الأمر إلى سهيل بن عمرو الذي عَقَدَ مع الرسول الصلح، والذي عرف بصلح الحديبية.
وقد كانت بنود الإتفاق لهذا الصلح - كما بينها إبن هشام في السيرة النبوية - على النحو التالي:
وقد أَشْهَد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين. وقد كان هذا الصلح من باب السياسة الشرعية الحكيمة، وكان من فوائده اعتراف قريش بالدولة الإسلامية، وشيوع السلم بين الطرفين الذي مَكَّنَ الرسول صلى الله عليه وسلم من التفرغ للدعوة إلى الإسلام، حيث قام بمراسلة الملوك والزعماء في داخل الجزيرة العربية وخارجها، ومن فوائد هذا الصلح أن مَهَّد لفتح مكة بعد عدة أعوام، فكان فتحًا مبيناً من رب العالمين.