اختار الله تعالى محمداً خير البرية والأنام من بين الأمم، ومن بين أعظم الأقوام صدقاً ووفاءً ونقاءً وكرامةً وأنفةً ومروءةً وجوداً ورحمةً، فهو لم يكذب قط، ولم يخن مطلقاً، ولم يظلم أحداً؛ فالرسالة الجليلة لا ينهض بها سوى صاحب الأخلاق النبيلة؛ ليكون للناس أسوة، ويتخذوا منه خير قدوة .
كان عليه السلام من الأحساب العريقة والأنساب الشريفة، ونتاج الشرف الرفيع نبع منه ترفعه عن الرذائل، وتعشقه للفضائل، ونأيه عن الصغائر. تشرب اللغة السليمة الفصيحة القوية من منابعها في طفولته، وتزكية الفطرة وإذكاء المشاعر والعواطف في صباه.
ولما جمع عليه السلام بين القوة والرحمة والصدق والأمانة فما كان من قريش إلا أن تطلق عليه لقب الصادق الأمين، المأمون على أموالهم، والموثوق به عندهم. كان عليه السلام خلقه القرآن، شديد الصبر على المحن، ارتقى بالنفس البشرية، وأكرم المرأة، وزرع الأخلاق السامية والقيم العليا في الحرب والسلم، فقد قال عليه السلام : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) . شهد له أزواجه وأصحابه بحسن خلقه؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال:" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا" .
ترفع عن الانتقام لنفسه يوم فتح مكة، فقال لقريش - التي آذته وخذلته وهجرته وعاونت أعداءه عليه - مقولة سطرها الزمن في صفحاته، ورواها التاريخ لمن بعده ليشهد على صدق رسالته ونبوته وهي: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). أي حلم هذا؟ وأي خلق هذا؟ إنه خلق الأنبياء المصطفين الأخيار. أثبت يومها أن النفس الكبيرة إذا ظفرت تحتقر الصغائر، وتسمو على الضغائن، فحقاً: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
أما محمد الانسان فيحترم الإنسانية، وهو سهل سمح يصل الرحم، ويصدق الحديث، ويحمل الكًل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، هكذا شهدت له زوجته؛ فهو في بيته في مهنة أهله يمازحهم، ويحنو عليهم، وكذلك هو الأب الرؤوف، يبكي لفراق إبراهيم، ويقبل جبين فاطمة، وصدق من قال: (ما رأيت قبله ولا بعده أحداً مثله) . وكفى بربه شهيداً حينما خاطبه: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وكذلك: (لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، أي رحمة تلك؟ وأي قلب هذا! إنه القلب نفسه الذي يداعب الأطفال ويقبلهم، ويعطف عليهم حتى أحبوه أكثر من آبائهم، وتمسك به الشباب لاحترامه وتقديره لهم، وعدم تهميشهم، فضحوا بأرواحهم لأجله.
هذا هو محمد بن عبدالله هذا هو من أسر الجميع بخلقه .
يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت لك العلماء