كانت الروم جزءاً من الإمبراطورية البيزنطية وتقع في ما كان يطلق عليه مسمّى -آسيا الصغرى- والمقصود بها في وقتنا المعاصر تركيا، ولقد حاولت الإمبراطورية البيزنطية أن تحقّق انسجاماً بين الأقطار العديدة والواسعة التي كانت تهيمن وتسيطر عليها بيد أنّ كلّ محاولاتها باءت بالفشل، لأنّ البلدان التي كانت تسيطر عليها ومن ضمنها الروم كانت تضمّ أعراقاً وأجناساً ومذاهباً وعقائداً ولغات مختلفة، مما استحال عليها أن تحافظ على هذه البلاد تحت سيطرتها، وهكذا كان واقع الحال فيما يتعلق بالروم، أو رومية، فسرعان ما انفصلت واستقلت عن الإمبراطورية العظيمة.
كانت الروم تحت سيطرة الكنيسة النصرانية والتي كانت تروج لفكرة مآدها أن الله قد اختار بنفسه الإمبراطور ليحتل منصبه الذي هو عليه، وأنه ما كان له أن يصبح إمبراطوراً إلّا بوجود إرادة الله، وكونه قد أصبح إمبراطورا فذلك يعني أن تلك هي إرادة الله وان على الجميع أن لا يعصي هذه الإرادة الإلهية، وبما أن بلاد الروم كانت تعتنق النصرانية فقد كان ولاءها للإمبراطور منقطع النظير بناءً على تلك العقيدة الراسخة في أذهانهم، وقد حكم الروم في عام ستمائة وعشر ميلادية وحتى ستمائة وواحد وأربعين ميلادية أعظم أباطرة بيزنطة والروم، ألا وهو هرقل والذي عاصر نبوة الرسول الأمين وخاتم المرسلين محمد بن عبدالله، والذي تنبأ بأن حكم النبي سيبلغ الأرض التي يقف عليها، وهذا ما تحقق وتم فيما بعد.
عانى حتى الروم أنفسهم من ثقل الضرائب التي كانت تفرضها الإمبراطورية البيزنطية عليهم، وقد كان الربا متفشياً فيها، وشيئاً فشيئاً أدى الانحطاط والتدهور الاقتصادي إلى تفاقم الأمور فيها وعززه ذلك الاختلاف العقائدي فيما يخص طبيعة المسيح ، والهرطقات فيما يتعلق بناسوته وألوهيته، فانقسمت الإمبراطورية البيزنطية على نفسها مذهبياً، ففي حين تبنت بلاد الشام ومصر موقف التمسك بأن المسيح له طبيعتان، طبيعة إلهية وأخرى بشرية، تمسكت الروم بالموقف الذي يقول بأن للمسيح طبيعة واحدة فقط ألا وهي الطبيعة الألوهية، فاحتدم الصدام والصراع لأن الإمبراطور البيزنطي أبى أن تتمزق بلاده إلى معسكرين مختلفين في المذهب .
تأثرت بلاد الروم أخلاقياُ بما أحصره لها اليونان من فساد أخلاقي وظلم اجتماعي وصراع طبقات، فبات العدل فيها مفقوداً وبات الحق فيها ضائعاً، وقد ساهم كل هذا بضعفها وانقسامها وانحلالها وتشرذمها، ولكن لم يعن ضعفها بأنها لم تكن ما زالت تمتلك قوةً جبارة تهدد الدولة الإسلامية الناشئة في ذلك التاريخ، وقد كان الاشتباك ما بين الطرفين يشهد كر وفر من كلا الجانبين لوقتٍ طويل، حتى تم فتح القسطنطينية وانتهى بهذا الفتح حكم الروم إلى الأبد.