يعدّ قوم لوط عليه السلام من بين الأقوام الّذين عذّبهم الله تعالى بسبب كفرهم وعنادهم، فقد بلغ هؤلاء القوم من الشّذوذ في الطّبع والسّلوك أن عدلوا عن فطرة الله تعالى الّتي فطر النّاس عليها؛ حيث يميل الذّكر إلى الأنثى، فقد كانوا يشتهون الذّكران من العالمين، وهذا يدلّ على شذوذهم عن سنّة الله واعوجاج فطرتهم، وقد كانوا إلى جانب ذلك قوماً يكفرون بالله تعالى، فبعث الله لهم نبيًّا منهم يعرفونه وهو لوط عليه السّلام، وقد بقي لوط بينهم يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، والبعد عن المنكرات التي يفعلونها، فما زادهم ذلك إلّا استكبارًا وجحودًا، وعندما يئس لوط منهم وعزموا على إخراجه هو ومن آمن معه من قريتهم بزعم تطهيرها، بعث الله إليه رسلًا من الملائكة تنبّئه بخبر القوم، وأنّه سوف يحلّ بهم عذاب قريب، فسار بأهله بالليل بعيدًا عن أعين النّاس، وبعد ذلك جاء قوم لوط أمر الله فأرسل عليهم الصّيحة التي اقتلعت أفئدتهم، وأرسل الله تعالى بعدها جبريل عليه السّلام ليحمل قريتهم ويقلبها رأسًا على عقب، وقد كان جزاؤهم من جنس عملهم؛ حيث قلبوا فطرتهم وعدلوا عن سنّة الله تعالى حين اشتهوا ذكورهم من دون إناثهم فكانت عاقبتهم أن قلب الله مدينتهم وخسف بها الأرض.
أين سكن قوم لوط؟
لقد دلّت الآثار والدّراسات على أنّ مكان سكن قوم لوط كان في منطقة البحر الميّت ومنطقة الأغوار في الأردن، وقراهم ذكرت في التّوراة، وهي قرى سدوم وعموريّة وأدومة وصبييم، وقد بيّنت كثيرٌ من الدّراسات لعددٍ من العلماء والباحثين لهذه المنطقة على وجود نسبةٍ عاليةٍ من الكبريت، وهو عنصر يوجد بكثرة في المناطق التي تشهد أو شهدت نشاطاً بركانيّاً، كما أنّه عنصر يدخل في صناعة البارود، كما أنّ منطقة البحر الميت هي أخفض بقعة على سطح الأرض، والبحر الميّت لا تصلح الحياة فيه لأنّ نسبة الملوحة فيه كبيرة جدًا، ويؤكد كثيرٌ من العلماء على أنّ مستوى منسوب البحر الميت ينقص باستمرار، وبالتّالي يفكّر كثيرٌ من الباحثين في مدّ قناة بحريّة بين البحر الأحمر والبحر الميت حتّى لا يختفي هذا البحر يومًا.
وقد ذكر الله تعالى أنّ مكان عذاب قوم لوط سوف يبقى آيةً وعبرةً على مرّ السّنين، قال تعالى ( وإنّكم لتمرّون عليهم مصبحين وفي الليل أفلا تعقلون )، وفي الآية الأخرى ( وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ) صدق الله العظيم .