القيروان
أخذت القيروان المدينة الإفريقيّة الإسلامية الجديدة والتي تبعت بلاد الشام طابعًا استقراريًا للمسلمين، وتمّ بناء هذه المنطقة على يد عقبة بن نافع القائد التابع للدولة الأمويّة، وفي أغلب الفتوحات الإسلاميّة كانت القوة المنتصرة من الجانب العربي تُبقي حاميات في تلك المنطقة حتى تسيطر بشكل كامل عليها، إلَّا أنَّ للقيروان طابعٌ آخر على صعيد الاستقرار العسكري والمدني.
اكتسبت القيروان أهميّتها بعد البناء وبعد أن أصبحت مُنطلق المسلمين للفتح في المغرب والأندلس، وتأتي أهميّة هذه المنطقة عندما فكّر عقبة بن نافع بالوجود الدائم هناك؛ بحيث إنَّ الوجود الدائم يعمل على ترسيخ الإسلام ودعوته، ومغادرة المنطقة تُفسح المجال لضعاف الأنفس أن يعودوا مرةً أخرى لدينهم القديم. لعبت القيروان دورًا هامًا في القرون الإسلاميّة الأولى؛ إذ كانت حاضرة المغرب في السياسة ومنطلق الدولة في الفتوح.
القيروان والفتح
ساهَمت القيروان مساهمةً كبيرةً جدًا في عمليات الفتح، أولًا على صعيد راحة الجنود؛ حيث إنَّ جنود الفتح في المعارك إذا ما تمتّعوا بالراحة قليلًا ربما يتعرّضون لخسائر كبيرة، وغير ذلك على الصعيد المعنوي، فعندما يرى الخصم قوّة الجانب العربي واستقراره فهذا سيؤثّر معنويًا عليه؛ إذ يجد في تمركزهم قوةً ما أتت إلّا للنصر.
كانت المساهمة الحقيقيّة في الابتكار؛ فبعد التمركز في القيروان وبداية تفكير موسى بن نصير بالفتح بدأ يُجهّز الموانئ لصناعة السفن البحريّة ليستطيع الجيش عبور البحار إلى الأندلس، والأهميّة الاستراتيجيّة تظهر لنا هنا؛ بحيث إنّ هذه المدينة لو لم تكن لمّا بدأ التطلّع لفتح الأندلس فكيف يمكن صنع الموانئ والسفن دون ركيزةٍ سابقة وبناءٍ نعتمد عليه.
ساهم موقع مدينة القيروان البعيد عن البحر في حماية الجيش الإسلامي من غارات الأسطول البيزنطي، وأيضًا لم تكن متوغلّةً كثيرًا في المغرب، وهذا حماها من هجمات البربر، بعد ذلك فرغ العرب لغزو المغرب؛ إذ بدأ أبو المهاجر دينار غزواته بعد عزل عقبة بن نافع من قبل معاوية بن حديج والي مصر ليصل في فتوحاته إلى تلمسان، ليعود مرةً أخرى عقبة بن نافع سنة 61هـ /680ـ 681م، ويساهم مساهمةً كبيرةً في الفتح بحملته التي وصل فيها إلى المغرب والمحيط الأطلسي.
القيروان وبنو أميّة
مدينة القيروان كوّنت الولاء للدولة الأمويّة، حتى أنَّ حُكم بنو أميّة عاد ولكن ليس في حاضرة الخلافة بلاد الشام وإنما في المغرب والأندلس، وهذه المدينة ساهمت بدعم الموقف؛ إذ إنَّ الحُكم الإسلامي لم يكن مُستغربًا هناك لأنّها قبل ذلك كانت عاصمة المغرب السياسيّة والحربيّة وقامت بالعديد من الإنجازات العسكريّة الهامّة والاجتماعيّة؛ إذ بنيت المساجد وازدانت بالفقهاء والعلماء، وكان من أبرزهم علي بن زياد تلميذ مالك بن أنس / ابن رشيق القيروان الناقد، وابن شرف القيرواني الأديب، وابن القزاز الشاعر، وغيرهم الكثيرون.