قصّة مبكية مضحكة تلك التي عنوانها الزهايمر، أو ما يعرف بخرف الشيخوخة، فبعد العمر الطويل المليء بالتجارب والحكم، وبعد أن يصل الإنسان إلى قمّة مستويات الفكر، يهوي به عقله إلى قاع النسيان والجنون والخرف، ويصف الله تعالى هذا الانحدار بقوله: (ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً) النحل/70.
يظهر المرض في سنٍّ متأخّرة بعد الخمسين أو الستين من العمر، وتزيد فرصة ظهور المرض في الأعمار الّتي تزيد عن الثمانين، ويصاب بالمرض عادةً الأشخاص الّذين لديهم استعداد وراثي أو يوجد أحد في العائلة قد أصيب بالمرض، وهؤلاء قد يظهر المرض معهم حتى في سنٍّ مبكّرة (قبل الأربعين)، بالإضافة إلى احتماليّة نشوء المرض بسبب ضربة في الرأس أو الأمراض المؤثّرة على خلايا الدماغ، لكن يبقى العمر هو العامل الأقوى في تكوّن المرض.
تبدأ القصّة بأعراض خفيفة مثل: نسيان المواعيد، وتكرار الجملة أكثر من مرّة، وعدم الانتباه إلى مرور الوقت، هنا يتوجّب على عائلة المريض الانتباه، وعلى المريض نفسه أن يلاحظ التغيّرات التي حصلت معه، فهنا تكون البداية وهي مرحلة الإنذار الأوّل.
أعراض الزهايمر
- فقدان الذاكرة: ويلاحظ أنّها تكون أشد من الحالات الطبيعيّة للتقدم بالعمر، فينسى المريض حدثاُ مهمّاً في الماضي، ولا يذكر أيّ شيء عنه، بينما قد ينسى الإنسان الطبيعي تفاصيل الحدث ويذكر عامّته.
- تكرار الكلام: فيعيد المريض عليك الأخبار ذاتها، وقد يسألك السؤال وتجيبه، ثمّ يعود ويسأل نفس السؤال مرّةً أخرى.
- العصبيّة والقلق وإهمال الاهتمام بالنفس: فالمريض إنسان، وما زال يحمل مشاعراً في داخله، ولا بدّ أنّه لاحظ تغيّر تفكيره وتراجع ذاكرته ممّا يسبّب له التوتر والحزن، وهنا على أفراد العائلة أن يعتنوا به ويحتووه.
- اضطراب الإحساس بالزّمان والمكان: فلا يحسّ بمرور الوقت أو في أيّ ساعة من النهار نحن، ولا يشعر بتغيّر المكان حوله، فقد يضلّ طريقه، ولا يعرف إن كان قريباً أو بعيداً عن بيته.
فإذا لاحظت هذه الأعراض أو بعضها عن قريب لك عليك أن تسارع إلى الطبيب، فصحيحٌ أنّ مرض الزهايمر ليس له علاج و دواء إلّا أن متابعة المريض في المرحلة المبكّرة تساعد على احتواء المرض وتخفيف مضاعفاته وتطوّره السلبي.
أمّا فيما بعد، ومع تطوّر المرض يدخل المريض الفصل الثاني من الحكاية، وتبدأ حالته بالتراجع، فيعجز عن القيام بأبسط الأمور مثل: لبس ملابسه، وتناول طعامه، ويبدأ فهمه بالتراجع فيعجز عن فهم ما تقول له، وهنا يحتاج إلى من يساعده ليعيش الحياة اليوميّة البسيطة، وتزداد حالته النفسيّة تراجعاً؛ فهو الآن في حال لا يحسد عليه، وقد عاد عاجزاً مثل طفل صغير، وفاقداً لعقله تقريباً بعد أن كان رجلاً عاقلاً حكيماً كامل القوّة والصحّة، فهوناً به يا عزيزي، وارفق بعجزه وتحمّل حزنه.
وتنتهي الحكاية في فصلها الثالث والأخير بمريض عاجز كليّاً لا يستطيع حتى استخدام دورة المياه وحده، ويتراجع الفهم حتّى أدنى مستوياته، وهنا يغلق الستار بعد ما يقارب 8 سنوات من المعاناة بموت المريض على الأغلب، منهياً قصّة المعاناة له ولمن حوله، ولا نقول في النّهاية إلّا كما قال رسولنا الكريم: (ربّنا لا تردّنا إلى أرذل العمر).