بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. أما بعد،
فقد جاء البِرُّ في اللغة بعدة معانٍ، ومن تلك المعاني التي بينها ابن منظور صاحب معجم لسان العرب: « الصدق، والطاعة، وضد العقوق. » والعقوق: هو العصيان، والإساءة. فإذا قيل: فلانٌ عاقٌ لوالديه؛ أي أنه عاصٍ ومسيءٌ لهما، وعكس ذلك: فلانٌ بَارٌّ لوالديه؛ أي أنه مطيعٌ ومحسنٌ لهما. وقد بين بعض أهل اللغة أن البِرَّ ليس فقط الإحسان، بل هو التوسع والمبالغة في الإحسان.
والبر في الاصطلاح الشرعي لم يخرج عن المعنى اللغوي، حيث يُعَرَّف بر الوالدين: بأنه المبالغة والتوسع بالإحسان إلى الوالدين، بطاعتها، وإظهار الحب والاحترام لهما، ومعاملة كل منهما بلطف ولين، وتجنب رفع الصوت على أحد منهما. وفعل ما يرضيهما. والابتعاد عما يغضبهما ويزعجهما. والتزام الأدب عند الحديث معهما، والإنصات والإستماع إلى ما يقولانه، وعدم مقاطعة أي منهما في حديثه، وإبداء الضجر والضيق مما يقوله.
وبر الوالدين لا يكون إلا في حدود ما أجازه الله، أما أن يطيع المسلم والديه في معصية، فهذا لا يجوز، حتى لو أصرا عليه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق مهما كان في معصية الخالق.
وقد نصت الكثير من النصوص الشرعية على وجوب بر الوالدين، والإحسان إليهما، ومن تلك النصوص قول ربنا تبارك وتعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23 - 24]. فهاتين الآيتين الكريمتين تدلان على وجوب بر الوالدين، والإحسان إليهما. ومما يؤكد على أهمية وفائدة بر الوالدين، أن الله تبارك وتعالى قد قَرَن الإحسان إلى الوالدين في الآية (23) بعبادته.
وقد وردت الكثير من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي جاء في الحث على بر الوالدين، والتحذير والوعيد الشديد من عقوقهما، حيث أن عقوق الوالدين هو من أكبر الكبائر عند الله تعالى.
وقد جاء في بعض الأحاديث الحث على بر الأم بصفة خاصة، والتحذير من عقوقها، ومنها: الحديث الصحيح، والمتفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم، والذي رُوِيَ فيه أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأله: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال له الرسول: أمك. قال الرجل: ثم من؟ قال الرسول: أمك. قال الرجل: ثم من؟ قال الرسول: أمك. قال الرجل: ثم من؟ قال الرسول: أبوك.