مقدمة
" وراء كلّ رَجُلٍ عظيمٍ امرأة"، هكذا يُعَبِّرُ المثقفون في العصرِ الحاضر عن أهميةِ المرأة في المجتمع، كونها كلمة سرِ نجاح الرجُل، وقد قالوا أنَّها نصف المجتمع، وهي كذلك، فالمرأة هي مربية الأجيال، وصانعة الرجال، وهي الأم والأخت والزوجة والابنة، ولا يقتصر الأمر على مساعدتها للرَجُل، فقد ذكرَ لنا التاريخُ بعضَ نماذجٍ من نساء عظيمات، استطعن أن يَقُدْنَ شعوباً كبيرة، وأُخريات استطعن أن يَقُدْنَ ثورات وحروب ضدّ المستعمرين والغُزاة، وأخريات استطعن أن تَرْتَقِيْنَ بالعلمِ والفنونِ والأدب.
وقد اختلفت معاملةُ المرأةِ من زمنٍ لآخر، ومن مجتمعٍ لمجتمع، ففي العصور القديمة كانت المرأة هي التي تقود المجتمع ويتبعها الرِجَال، وفي عصر الجاهلية كانت المرأة مضطهدةُ الحقّ، وكانوا يعتبرون من ينجب الأنثى كأنه أنجبَ العارَ نفسه، فكُلَّما رُزِقوا بابنة وأدوها، وفي الدولةِ الإسلامية أُكْرِمَتْ المرأة، وأوصى بِحُسْنِ معاملتها الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم "في خطبة الوداع، وفي العصور الحالية كَفَلَ القانونُ للمرأةِ حقوقَها التي تحميها من ظلمِ زوجها وأبناءها وإخوانها إذا ما ظلموها.
ومع كل هذه الهبات في وجهِ ظُلم المرأة إلاَّ أنَّ بعضَ الرجالِ ومع الأسفِ يستعبدُونها، ليس بمفهوم وتعريف ومعنى العبودية والرقِّ القديم كبيعها في سوق النخاسة، مع أنَّ هذا يتمُّ في صفقاتٍ سوداء، وفي بعض الدول حتى يومنا هذا، ولكنه اسْتِعْبَادٌ بسوءِ معاملتها، واعتبارها الحلقة الأضعف دائماً، وهذا الظلم يقعُ حتى في مجتمعات الغرب التي تدعي مناصرة المرأة والتَحَضُر، وأحدُ أحقرِ أشكال اضطهاد المرأة هناك هو استغلال عديد النساء في أجسامهن، وعدم احترام الصفة الإنسانية، خصوصاً الفقيرات اللواتي تبحثنَ عن سبيلِ رزق، فيوقعوا بهم في شبكات الدعارة العالمية، وهناك دراساتٌ أثبتت أنّ معظم اللواتي يَخُضْنَ في عملِ الدعارة هُنَّ مقهوراتٌ وأُجْبِرْنَ على ذلك العمل، وفي هذا المقالِ لن أتحدثَ عن المرأةِ في الغرب؛ فللغربُ أهله الأكثر دراية بمجتمعهم ليصلحوا شأنه، ولكنَّنِي سأُخَصِصُ حديثي عن المرأة في شرقِنا العربي، فأحدثكم عن أهمِ الحقوق التي كفلها القانون للمرأة، ثم أهم الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للمرأة، ثم نتعرف على وضع المرأة العربية في المجتمع المُعاصر، ثم نذكر بعضَ نماذجٍ لنساءٍ عظيمات في مراحلٍ مختلفةٍ من تاريخ شرقنا العربي.
حقوق المرأة في القانون
لقد كفلَ القانون حقوق المرأة، فأعطاها حقوقاً اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية، وحثَت الدولَ على الاعترافِ بتلك القوانين والتعامُلِ مع كافةِ أشكال الاضطهاد والعنف ضدَّ المرأة، ومن أهم تلك القوانين:
- الحق في التعليم والدراسة.
- الحق في ممارسة الحياة السياسية بالانتخاب والترشح.
- عدم التمييز بينها وبين الرجل والمساواة بينهما.
- محاربة مظاهر العنف ضد المرأة وحمايتها من التحرش والاعتداءات.
- الحق في اختيار الزوج، وفي الطلاق، والحقوق المدنية الأخرى.
حقوق المرأة في الدين الإسلامي
قبلَ أن يُبعث النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، كانت الجاهلية قد سيطرت على العقول في قبائل شبه الجزيرة العربية، وبالنظر للمرأة الجاهلية نجد أنّها كانت مضطهدة، فلم يكن للنساءِ أيّ حق في اختيار الزوج، أو التوريث، أو الملكية، وكانت المرأة مُجَرد سلعةٍ تباع وتشترى من قِبَلِ وليّ أمرها، ويكفينا مصطلح وأدُ البنات الذي كان شائع في الجاهلية (دفن البنات أحياء بعد الولادة مباشرة)، فجاء دين الهُدى لينيرَ العقول بالتوحيد والإيمان والعلم، فكفلَ للمرأةِ حقوقها، وساوى بينها وبين الرجل في الكثيرِ من الأمور، ورفض عادة وأد البنات، وكفلَ حقَّ المرأة في التعليم وفي ورثة أبيها، وأكرمها أُمَّاً، وأكرمها زوجةً، وحثَّ على الرفق في معاملتِها، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع (استوصوا بالنساء خيرا)، كما واشتركت المرأة في غزوات المسلمين، فكانت تداوي الجرحى وتسقي الماء،
ولكن المشكِّكين بعدل الدين الإسلامي من المستشرقين وأعداء الدين، قالوا أنَّ الإسلام قد اضطهد المرأة، ولم يساوي بينها وبين الرجل في كثير من الأمور، ولكنّ القول الحقّ هو أنّ الدين الإسلامي قد ساوى بين الرجل والمرأة، ووجهة نظرهم نلخص الرد عليها في التالي:
- إعفاء المرأة من الجهاد، وبالتالي عدم مساواتها مع الرجل، فالمرأة أُعفيت من الجهاد في سبيل الله؛ لأنّ الطبيعة الجسمانية لمعظم النساء لا تسمح لها بالقتال.
- الميراث: والمرأة كابنة تأخذ نصف ما يأخذ أخيها من ميراث أبيهم؛ لأنّ الرجل يتحمل أعباء تكاليف الحياة في الإسلام بينما المرأة معفاة منها، كما أنّ الرجل تكون مسئولياته الاقتصادية والمالية أكثر من المرأة، وتأخذ نصف ما يتركه زوجها إن لم يكن له ولد.
- تَوَلِّي القيادة العُليا: والمرأة لا تتولّى أمور القيادة العليا والحُكم في الإسلام؛ لأنّ الله هو الذي خلقها ويعلم أنّ عاطفتها تغلبُ على عقلها، فلن تكن حاسمة في بعض الأمور بالغة الحساسية.
المرأة العربية المُعاصرة
" البنت لو طلعت ع المريخ، آخرها للطبيخ"، يكفي هذا المثل الشعبي العربي تعبيرا عن نظرة المجتمع العربي للمرأة، فمع أن المرأة العربية قد شاركت في الحياةِ السياسية والفنية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك في بعض المدن العربية، وكان لها أثراً بالغاً في تقديم كلّ تعرف ما هو جديد، إلا أنها حتى يومنا هذا تُعتبر هي الخطة الثانية بعد الرجل، وتنتشر حالات العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية كلها، ولكن بشكل متفاوت، وفي بعض القُرى العربية لا زالوا يعاملون المرأة كأنَّها خُلِقت لتخدم الرجلَ أباً وزوجاً ثم ابناً، وفي دولٍ عربية أخرى لا يُسمحُ للمرأة بأن تَقود سيارة في الليل، أو تسافر إلى الخارج إلاَّ برفقة مِحْرِم، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، ومن أشهر القضايا التي يذاع صيتها في العالم العربي قضية عمل المرأة، وقضية الميراث، وغيرها، وفي التالي نذكر بعض شيءٍ عن هاتين القضيتين.
عمل المرأة
إن هذه القضية هي من أبرز القضايا التي تظهر في العالم العربي فيما يخص حرية المرأة، فقد عُرِفَ عن المرأة العربية التقليدية أنها أمٌّ ومربية، وأن بيتها أهم من أي شيء خارجه، وإن كانت المرأة عاملة فهي إذن إما (معلمة، أو ممرضة، أو داية)، وينقسم الرأي في العالم العربي بين مؤيد لعمل المرأة، ومعارض، ولكل أسبابه وتطلعاته.
رأي المؤيدون لعمل المرأة
مع دخول الفكر العلماني إلى العقل العربي الشرقي، ظهرت النداءات التي طالبت بخروج المرأة للعمل، ويرى مناصرو المرأة أنّه حق شرعي لها أن تشارك في الحياة العامة، فلا تضع نفسها في قفص المنزل كربة بيت دائمة، ويجب أن تشارك الرجل في العمل، ولا تنتظر نجاحات الرجل فتكون ظله.
رأي المعارضون لعمل المرأة
ويرى دعاة عدم خروج المرأة للعمل أن المرأة قد تسببت بازدياد نسبة البطالة بين الشباب لمَّا شاركتهم في العمل، ويرون أيضا أن المرأة ليست بحاجة لعائد مادي ففي بيت أبيها يقوم والدها وإخوانها بهذا الدور وفي بيت زوجها يقوم زوجها بهذا الدور ومن ثم أبناءها، وأن المرأة ليست بحاجة للعمل خارج المنزل وأن تترك أطفالها وأبناءها في الحضانات فلا تشرف على تربيتهم، وأما بخصوص المشاركة المجتمعية فإن المرأة تقوم بأعظم عمل في المجتمع وهو تربية الأجيال الصالحة، وفي ذلك صلاح كبير للمجتمع.
موقف المجتمعات العربية من المرأة العاملة
بشكل عام فإن المرأة العربية اليوم تخرج من منزلها للعمل، ولكن ضمن ضوابط متشددة في بعض الدول العربية مثل السعودية، وضوابط أخرى مراعاة لطبيعتها الجسمانية، فلا يحق لها أن تمارس الأعمال الشاقة مثل (تكسير الأحجار، والعمل في مجال البناء)، وقد كانت نسبة كبيرة من النساء العاملات تعاني من (العنوسة)، فالشاب العربي لا يرغب بخروج زوجته للعمل، لكن الوضع الآن تغير، وفي مجتمعي الذي أعيش به (قطاع غزة)، يبحث معظم الشباب عن الفتاة العاملة لكي يتزوجوها؛ حتى تعينهم على متطلبات الحياة الكثيرة.
موقف الإسلام من عمل المرأة
لم يرفض الدين الإسلامي عمل المرأة باعتبارها شريكاً في المجتمع، وخصوصا أن هناك مجالات تبدع بها المرأة كالتعليم والتمريض، ولكنه وضع لخروج المرأة من بيتها ضوابط وشروط من شأنها أن تحافظ على هيبة المرأة، وتحميها من أي اعتداء أو تحرش قد يحدث لها خارج منزلها، ومن أهم تلك الضوابط:
- أن تكون المرأة الخارجة للعمل في حاجة له، ووضع أسرتها الاقتصادي يفرض عليها خروجها للعمل.
- أن تخرج المرأة من بيتها محجبة مستورة.
- أن لا تبدي المرأة أي زينة أثناء خروجها من بيتها.
- أن لا تعمل في اى عمل يدعو للاختلاط مع الرجال.
- أن لا تجعل العمل يؤثر على وظيفتها في أسرتها، وهي تربية الأبناء.
- أن تحصل على موافقة وليها، والدها كان أو زوجها لكي تخرج للعمل.
قضية الميراث
في العائلات الكبيرة والمتمددة يرفض الإخوان أن يعطوا المرأة حقها من مال أبيها بعد وفاته، فقد يعطونها شيئاً أقل بكثير مما يحق لها، وقد لا يعطونها شيئا، وهذه القضية منتشرة في كل البلدان العربية بنسب متفاوتة، لذلك تجد أن نسبة زواج الأقارب في تلك العائلات تزداد، خوفا منهم على خروج المال عن جيوب العائلة، وقد رفض الدين والقانون هذا التصرف من قبل البعض، حتى أن الإسلام قد كفل للمرأة حقها من الميراث أم وأخت وزوجة وابنة، كما كفل لها القانون ذلك.
نساء صَنَعْنَ التاريخ
وفي الختام أذكركم بشجرة الدر أو عصمة الدين أم خليل، التي ظهرت في لحظة حاسمة من تاريخ العرب والمسلمين، وكانت سبباً رئيسياً في انتصار المسلمين على الصليبيين حيث أخفت خبر وفاة السلطان الصالح أيوب، كما نذكر جميلة بو حريد الفتاة الجزائرية المناضلة التي ساهمت في الثورة الجزائرية وفي مناهضة الاحتلال الفرنسي، وفدوى طوقان الشاعرة الفلسطينية التي حاربت أميتها وأصبحت من أرقى شاعرات العرب وقاومت بأبيات شعرها المحتل الصهيوني، ونازك الملائكة صاحبة ثورة الكلمات وعبارات الحرة، وأول من كتب شعر التفعيلة المبدع، وقد اتبعت أسلوبها مجموعة كبيرة من الشعراء المعاصرين، وكل امرأة من هؤلاء قد عجنت المعاناة قصتها، وحاربت المستحيل كي تصل لقمة المستحيل، وها هي أسماءهن تُكتب بحروف من ذهب في سطور التاريخ وكتبه، وأقول حقاً إنَّ المرأة هي نصف المجتمع.