(التهابات الحلق والأمعاء نموذجا)
واحد من أكثر الأخطاء الصحية شيوعا في مجتمعاتنا هو كثرة استعمال المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب، ودون وجود قوانين تضبط صرف تلك الأدوية من الصيدليات وتحد من بيعها إلا بطرق ووصفات طبية. هنا يكمن دور الأطباء بشكل عام، وطبيب الأسرة بشكل خاص، في العمل على تغيير الممارسات الصحية الخاطئة وتشكيل الوعي السليم بها مجتمعيا.
وأكثر الأمراض شيوعا في عيادات الصحة العامة هي التهابات الحادة في الحلق (والمجاري التنفسية العليا) والالتهابات الحادة في الأمعاء، والتي يظن كثير منا أن العلاج و دواء كامن في المضاد الحيوي، الذي هو كفيل بالقضاء على الجرثومة المسببة لذلك الالتهاب.
إلا أن ثمة معلومتين مهمتين في هذا السياق وهما:
- أن المضادات الحيوية تقتل البكتيريا لا الفيروسات
- أن معظم التهابات الحلق والأمعاء يتسبب بها الفيروسات لا البكتيريا. بمعنى آخر فإننا غالبا ما نأخذ المضادات الحيويةخطأ، فهي لا تقتل الفيروس المتسبب بالمرض، وفوق ذلك فهي تتسبب في إشكاليات صحية نتحدث عنها لاحقا.
هنا قد يحتج بعضنا بأن الخبرة الشخصية تؤكد أننا عندما نأخذ المضاد الحيوي فإننا نتحسن عليه، بل ولربما يزيد البعض بأن جسمه مختلف وأنه معتاد على أنه لن يتحسن إلا إذا أخذ المضاد الحيوي. وجوابا على هذه النقطة، فإن هذا الأمر قد تم اختباره في دراسات علمية عديدة، وأثبتت تلك الأبحاث أنه لا فرق في ثمرة العلاج و دواء بين من يأخذ المضاد الحيوي ومن لا يأخذه.والسبب في ذلك أن طبيعة التهابات الحلق والأمعاء أنها "محدودة ذاتيا" (Self-Limited) بمعنى أنها تنتهي وحدها بشكل تلقائي سواء أخِذ العلاج و دواء أو لم يؤخذ.
أما الإشكاليات الصحية المتعلقة بكثرة استعمال المضادات الحيوية لالتهابات الحلق والأمعاء، فمنها:
1. الأعراض الجانبية للدواء والتي لا يخلو منها أي دواء.
2. التسبب في تكوين ممانعة لدى البكتيريا من المضادات الحيوية، وهذه لا تبقى محصورة لدى المريض، بل على مستوى المجتمع.
3. زيادة التكلفة المادية على المريض وعلى الدولة في غير فائدة، وهي تكلفة ليست بالقليلة.
4. تشجيع سلوك المراجعة المتكررة للعيادات الصحية لأخذ المضاد الحيوي لمرض نعلم أنه محدود ذاتيا!
والبديل العلاجي السليم لالتهابات الحلق والأمعاء هو بشكل عام:
1. طمأنة المريض وشرح طبيعة المرض وسببه وطريقة علاجه (هذا جزء من العلاج).
2. أخذ مسكن للألم بالقدر الكافي لإزالة الشعور به.
3. الإكثار من شرب السوائل منعا للجفاف خاصة عند الأطفال والكبار في السن.
4. أخذ المضاد الحيوي بشكل انتقائي بناء على تقييم الطبيب ووصفته، والله أعلم.
د. أنس المحتسب