مقدمة
يعيش الإنسان في بعض الأوقات كأنه غريب عن عالمه، فينتابه شعور بأنه في مكان لا ينتمي إليه، وذلك الشعور يصاحب الإنسان عندما يبتعد عن وطنه، فالعيش في الغربة أشبه بالضياع، كما أن الإنسان يشعر دوماً بالحنين إلى المكان الذي ولد به وكبر وترعرع، ويشعر كأنه أسرته الثانية، هذا المكان الذي نتحدث عنه هو الوطن، وكما عهدنا دوماً فإن الوطن هو أغلى ما قد يمتلكه شخص، كما أن الإنسان الذي يعيش في وطنه ينعم بحياة كريمة وراقية، على العكس تماماً لمن يعيش في وطن غير وطنه، فيشعر دوماً بأنه منبوذ، ولا يعر بنعيم الحياة.
والمتأمل لكتب التاريخ يجد كم كان الوطن غالياً على أهله على مدار السنوات، فنرى الشعوب كلها تحارب من أجل أن ينال الوطن كرامته وحريته، وكم من وهبوا أنفسهم من أجل الدفاع عن الوطن والحصول على الكرامة والعيش برغد الحياة، فالعيش في الوطن أشبه إلى حد كبير بالعيش في ظل الأهل والأقارب، حتى وإن لم يكن هناك أقارب.
كيف يمكن أن نقدم الخدمات للوطن
كما قلنا بأن الوطن هو العائلة الثانية للإنسان، كما أن المقر الذي يشعر الإنسان بالراحة به، ولا يمكن أبداً أن ننكر واجب الوطن علينا، كما لا يمكن أن ننكر مشاعرنا للوطن، ولا يشعر بقيمة الشيء سوى فاقده، للأسف أصبح كثيرون اليوم لا يعرفون معنى الوطن، ولكن من أراد أن يعرف معنى الوطن ما عليه سوى أن يتحدث مع شخص خرج من وطنه إلى الغربة، وأن يعرف ما يشعر به نتيجة فقده لوطنه، فقد بات جميع الشباب في يومنا هذا يبحثون عن السبل الخروج من الوطن سواء من أجل التعليم أو من أجل العمل، أو حتى من أجل الهجرة.
تختلف طريقة خدمة الوطن من شخص لآخر، حيث إنّ البعض قد يخدم الوطن من خلال القلم أو من خلال العلم، أو من خلال السلاح، أي أن كلٌ يخدم الوطن على حسب طريقته ومنهجه، فالشاعر يقدم الخدمات من خلال الكتابة، أما العالم فيقدم الخدمات من خلال علمه الذي يقدمه للأجيال، والمقاتل يقدم الخدمات من خلال السلاح، حيث إنّ خدمة الوطن ليست فقط من خلال المقاتلة والسلاح، فكل شخص يقوم بعمله بجد يستطيع أن يخدم الوطن من خلال وظيفته، ويمكن أن نوجز بعض الخدمات التي يقدمها كل شخص للوطن خلال التقاط التالية:
خدمة الشعراء للوطن
أكثر من قد يخدم الوطن هو الشعراء والأدباء والمحللون، وذلك من خلال كتابة المقالات والقصائد، حيث إنّ في عصرنا هذا بات القلم احسن وأفضل وسيلة من أجل الدفاع عن الوطن، فقد أصبح اليوم جميع الشعراء يحاولون التدخل من أجل تقديم خدمات للوطن بالقليل من الكلمات وعبارات التي تعبر عن المشاكل وعيوب التي يعاني منها الوطن، وذلك من خلال رفع الشعارات المكتوبة والمسموعة، كما أن فئة الشعراء والكتاب في عصرنا اليوم من احسن وأفضل من يدافع عن الوطن، حيث إنّ الجميع بات يستمع إلى الخطب التي تقام في المحافل والمهرجانات، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تسهل على الإنسان الوصول إلى جميع الصفحات التي يريدها، فيمكن أن يحصل على جميع كتابات شخص معين من خلال متابعة حسابه الشخصي على أحد مواقع التواصل الاجتماعية، فكما رأينا الثورات التي كانت تقوم في البلاد العربية كان مصدرها مواقع التواصل الاجتماعية، وكان لها تأثير ونتائج كبير على الناس وخصوصاً على فئة الشباب ممن يتابعون الإنترنت بشكل يومي.
خدمة الوطن بالراية
ويمكن توضيح العنوان أكثر من خلال القول خدمة الوطن باستخدام السلاح، وهي المناورات التي كانت تحدث دوماً على مر السنين بين الثوار والمستوطنون، فمنذ قديم الزمان والشعوب تقاتل محتليها بالسلاح حتى تمكنت معظم الدول من نيل حريتها، ولا يعني الأمر فقط محاربة المستعمرين، حيث إنّ البعض أيضاً يقوم بمحاربة المستعمرين المحليين، وهم الجهات المسئولة في البلد، أو الفئة الحاكمة الفاسدة، فكما رأينا خلال فترة الربيع العربي كم من الدول تمكنت من الإطاحة بحكامها الفاسدون، وذلك كله في سبيل الانتهاء والتخلص من الظلم الواقع عليهم من هذه الطبقة الحاكمة، وكم من أشخاص يقدمون حياتهم من أجل الوطن خلال الحروب التي كانت تقام سواء الأهلية أو التي كانت تقام ضد العدو، كما أن الجهاد في سبيل الله والوطن أمر واجب فرضه الله على الإنسان في كتابه العزيز، وحث الناس على الجهاد في سبيل، وتوعد لأولئك الذين يقومون بالتولي يوم الزحف، أي الذين لا يشاركون في الحروب مع أهل بلدهم، ويفضلون البقاء لوحدهم بعيداً، ويكون الدفاع عن الوطن بالراية أي من خلال قيادة الناس نحو وضع أفضل، وعدم السكوت عن أي أمر يحدث في الوطن، فعلى كل شخص أن يحتل مركزه الاجتماعي والسياسي من أجل الوصول بأفراد وطنه نحو الأفضل، ونحو تحرير الوطن من الظلم.
خدمة الوطن بالدفاع عنه
هل نستطيع أن ننسى في هذا السياق جهود المرابطين والمجاهدين، وهم أكثر من يدافع عن الوطن من خلال تقديم أرواحهم فداءً للوطن، كما أن التاريخ سجل العديد من الإنجازات لكثير من المناضلين الذين سعوا دوماً من أجل تحقيق الحرية والعدالة للوطن، كما أنهم قاموا بالدفاع عن ممتلكات الوطن بكل ما يمتلكون، دون أن يتهاونوا لحظة في الدفاع عنه، وكم يعاني الجنود على الحدود من أجل الدفاع عن الوطن، ومن أجل حمايته، فهم يسهرون الليالي من أجل أن نحصل نحن على الراحة والأمان، كما أنهم لا ينتظرون مقابل ما يقدمونه أجراً مادياً، بل هم يقومون بذلك من أجل الأجر المعنوي، والذي يتمثل في الحصول على الحرية والأمان العيش بكرامة، كما أنهم يطلبون رضا الله ورسوله.
خدمة الوطن بالدعوة للدين وتخليصه من أمور الفساد
ومن أهم الأمور التي يجب أن يقدمها رجال الدين للبلد، هي محاولة الرقي بالبلد من الناحية الدينية، حيث إنّ الفترة الأخيرة في حياة معظم الشعوب شهدت فساداً دنيوياً كبيراً، ويقوم أساس الفساد الدنيوي على الفساد الديني، فهم جزء لا يتجزأ من بعضهم البعض، فابتعاد الإنسان عن دينه يجعله يقوم بالعديد من الأمور المحرمة، والتي تسبب حدوث الخراب في الوطن، فقد خلق الله الإنسان على الأرض من أجل الخلافة فيها، ومن أجل إصلاحها لا من أجل السعي فيها بالفساد، فقد كثرت في وقتنا هذا المطاعم التي تقدم الخمور والمسكرات وكأنها مشروبات عادية، فهنا يأتي دور رجال الدين من خلال تقديم الموعظة للناس في خطب يوم الجمعة، كما أنهم يستطيعون ذلك من خلال القيام بعمل ندوات إسلامية من أجل تعرف الناس بربهم، وإبعادهم عن كل ما يسئ لهم ولإسلامهم ولوطنهم.
وفي النهاية يجب أن نكون على يقين دوماً بأن الجميع يجب أن يخدم الوطن، كلٌ من خلال منصبه ومركزه، فأصبح اليوم الوطن متعب من شدة ما يعاني من مصاعب وشدائد فوجب على الجميع أن يقدم العون والخدة للوكن، وذلك من أجل النهوض بالوطن والحصول على حياة كريمة، وأداء المهمة التي وكلنا بها الله سبحانه وتعالى في الأرض من خلال خلافته لنا في الأرض.