إن الموهبة هي نعمة من الله تعالى يهبها لمن يشاء، فلا حصر للمواهب التي يمتاز بها البشر؛ فهناك مواهب عقلية متعلقة بالذكاء والقدرات العقلية المتفوقة، وهناك مواهب جسدية ، وأخرى فنية ، ومواهب لغوية، وغيرها الكثير . إلا أن الموهبة ان لم تنم وتطور فإنها تخبو وتتضاءل، فكما قيل أن الذكاء يحتاج إلى ذكاء.
ولابد أن كل آدمي يستطيع أن يبدع بشيء ما، لكن البعض يفتقر للتقدير الذاتي، ويفتقر للنظرة الداخلية الحسنة عن شخصه، فتجد الصورة التي يشكلها عن ذاته سلبية ومحطمة، ويتخللها الضعف والخوف والاحباط، والإقتناع بالنقص والفشل الدائم. في ظل هذه الظروف النفسية السيئة لا يمكن لبذور الموهبة الموجودة في الأعماق أن تنمو وتزهر، لذا الخطوة الأولى لتمنية الموهبة الموجودة لدى أي إنسان أن يبني ثقة عالية عن ذاته وتحسين مفهومه وتقديره الذاتي، فلابد أنه يستطيع أن يفعل ما فعله غيره وأن يزيد عليه .
وحين لا تجد المواهب حاضنات لها فإنها تندثر، وربما تلفظ أنفاسها الأخيرة بلا عودة للحياة، لذا لابد من أسرة ترعى المواهب مهما كانت، وتشجع الموهوب باستمرار بشتى أنواع التحفيز؛ كالتحفيز المادي والمعنوي والاطراء بالكلام، والفخر بالفرد الموهوب، وذكره أمام أقرانه وأقاربه وتعزيز ثقته بنفسه وبموهبته . والبعد كل البعد عن السخرية من أي موهبة كانت؛ فكل سخرية تقتل جزءاً من النفس حتى يصبح الموهوب شخصاً أقل من العادي، تنمو معه العقد النفسية والعلل الداخلية والآهات العميقة، جراء استهزاء أو تسخيف أو احتقار.
ومن الأسرة يبدأ البناء كونها لبنة المجتمع تخرج ثمارتها إليه، ليكمل هو بدوره العملية التنموية والتطوير للأفراد، وبذلك تتحقق سبل النهضة المجتمعية. لذا لابد من مؤسسات المجتمع الخاصة والعامة والحكومات والمسؤولين فيها تسليط الضوء على المواهب الفذة، وتمهيد الطريق لتلك الصغيرة المخبأة. فكم من موهبة دفينة لا يدري عنها أحد إلا صاحبها! والأسوء من ذلك ألا يدركها صاحبها -أيضاً- .
ومن طرق ووسائل تنمية المواهب لدى الأفراد خاصة النشء إقامة المسابقات والمكافآت المجزية بين أصحاب المواهب المشتركة، وإنشاء مؤسسات ترعى المواهب بشتى أنواعها؛ فالاختراعات العلمية الحالية نشأت من مواهب علمية لدى مخترعيها ، والأدبيات والفلسفات العميقة نشأت من مواهب أدبية يتحلى بها مؤلفوها. لذا لابد من الاحتفاء بأصحاب المواهب، وجعلهم قدوة لغيرهم وحثهم على المواصلة في ابداعهم بدعمهم و تلبيت احتياجاتهم، وتوفير سبل النجاح لهم، وفي هذا الاطار يجد الإشارة إلى المدارس التي تكتظ بالطلبة الموهبين، وتحتاج تلك المواهب إلى استثمار كبير، والأخذ بيدها نحو الإنجاز ضمن رؤى مستقبلية واضحة، وبناء طموح عال لهم ؛ كأن يتم مساعدتهم في الحصول على براءات الاختراع، والمشاركة في المسابقات العالمية، وجعل تطلعاتهم نحو انجازات كبيرة مجزية؛ كالحصول على جائزة نوبل وغيرها من الجوائز العالمية.
إن إعطاء الموهوب قيمة ثمينة لذاته، ومكانة قيمة تجعله يرى نفسه فرداً فعالاً في المجتمع، وعليه أن يصنع شيئاً ما ينفع الآخرين بموهبته التي سيسأله الله تعالى عنها فيما استغلها وأفاد منها. فانظر للتاريخ وفتش به ترى كل العظماء والأفذاذ الموهبين من ورائهم من يدفعهم للوصول حتى نالوا ما استحقوا واستغلوا قدراتهم ومواهبهم في تحقيق احسن وأفضل ما يمكن؛ فهذا " تومس اديسون" يعترف أن أمه وراء نجاحه، وأنه حمل هم إنجاز شيء عظيم لأجلها، ولأجل ما منحته من دعم وثقة وايمان بشخصه. وهذا " محمد الفاتح" فاتح القسطنطينية من ورائه معلمه الذي كان يحفزه باستمرار بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم - عن فضل من يفتح القسطنطينية . والتاريخ يزخر بالكثير من الامثلة التي لا حصر لها للموهبين والأعلام أصحاب البصمات والتغيير الذين انتجت مواهبهم ثمارها الحلوة .