المحبة
الحب هو العلاقة التي تربط الإنسان بالناس من حوله، وهو أيضاً ما يساعد على تعاون الناس مع بعضهم البعض عن طريق تقبله لبعضهم البعض. وهو العلاقة التي تشكل الأساس الذي تنطلق منها كافة العلاقات في العالم، فمن كره شخصاً لم يستطع التفاعل معه نهائياً، لهذا فالحب أو على الأقل تقبل الآخر وعدم كرهه، حتى ولو يكن هناك حب متبادل قد يبقِ العلاقة بين الناس على بر الأمان. في ظل الصراعات المريرة التي تشهدها البشرية في العصر الحديث فمن الواضح أن الحل هو في حب الإنسان لأخيه الإنسان، وهذا الحب يجب أن ينطلق من منطلق واسع يسع الجميع ويدخل الكل في بوتقة واحدة، بغض النظر عن العرق والجنس واللغة والدين وكل هذه المميزات والمحددات التي تحدد البشر جميعاً، إذ يجب على كل البشر أن يدركوا تمام الإدراك أنهم أخوة لبعضهم البعض، فمن الواضح أن الإنسان إن أدرك هذا الأمر سيعمل قدر الإمكان على أن يحب الآخرين، فالأخوة يختلفون ولكنهم لا يتكارهون، كما ويتوجب أن يعي الجميع ضرورة إبعاد العنصريين عن الواجهة، وأن يحاولوا تقزيمهم واحتقارهم حتى لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك، فالعنصري سينكل بالجميع إذا ما وصل إلى الواجهة وتمكن من استلام زمام الأمور، وهو إنسان قميء بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالعنصرية توقف الحب وتزيد الغل والحقد والتدابر بين الناس، وتزيد من شيوع المكائد والمؤامرات والمخططات. إضافة إلى ذلك وحتى يضمن البشر نجاتهم، يتوجب عليهم أيضاً أن يبعدوا الساسة الذين تحكمهم المصلحة والقوة والجبروت والذين يسعون فقط إلى إدخال أسمائهم في التاريخ بغض النظر عن عدد المذابح التي سيرتكبونها، فنحن نسمع عن حكام ديكتاتوريين استغنوا عن حياة الملايين مقابل بقائهم متصدرين المشهد، فقد أفرغ هؤلاء الناس عن حقدهم الدفين إزاء الجميع وصدروا عن منطقهم العنصري، فارتكبوا أفظع الجرائم وانتهكوا الحرمات جميعها وعلى رأسها حرمة النفس البريئة التي لا ذنب إلا أنها قد وجدت أن القدر قد وضعها بين يدي هذا المجرم الأفاك. حبنا وتقبلنا للناس كافة لا يعني إطلاقاُ أن ننكر المحددات، فمثلاً يزداد ارتباطنا بشخص معين إن كان مشتركاً معنا في شيء معين لأنه يكون قطعاُ أقرب لنا من غيرنا، مع بقاء احترامنا للغير.
أثر العلاقات المشتركة بزيادة المحبة
الدين
إن كانت هناك علاقة مشتركة كالدين فهذا مما سيساعد على زيادة الحب بين الناس، فمثلاً نحن المسلمون مأمورون بأن نحب بعضنا البعض بقوله تعالى " إنما المؤمنون إخوة " وبمجرد أن يعي المسلمون هذه الآية سيدخل حب المسلمين كافة إلى قلب كل فرد منهم مباشرة. إلى ذلك فبمجرد أيضاً أن يتذكر الإنسان المسلم أن الآخر المسلم يعود إلى الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وينتمي إليه، سيدخل حبه إلى قلبه وبشكل مباشر، لأن الرسول محمد هو من ألف وجمع الناس بعضهم مع بعض، وهو من آخى بين الناس، فقد كان يعي – صلى الله عليه وسلم – حقيقة أن الأخوة بين الناس هي السبيل إلى الحب. أيضاً من ضمن ما يشترك به المسلمون مع بعضهم البعض هو كتاب الله تعالى، فالمسلمون جميعهم مؤمنون أن كتاب الله تعالى هو من عند الله تعالى وهو كلامه وبما أنهم مؤمنون بهذا الأمر فهذا كفيل بأن يجعلهم موحدين، فالله تعالى يخاطبهم جميعاً بآياته هذا عدا عن مخاطبته لكافة الناس في مختلف أصقاع العالم وعلى مر الزمان. فهذه العناصر كلها هي مما يؤدي إلى حب المسلمين لبعضهم البعض ومما يؤدي إلى وحدتهم إن أدركوا هذه المعاني حق إدراكه.
الأصل واللغة
أيضاً فإن الحب يزداد إن كان هذا الحب مبنياً على الدين والأصل الواحد واللغة الواحدة، ففضلاً عن أن الناس إخوة في المجمل وبشكل عام ويزداد هذا الحب إن كان الدين واحد، فيصبح هناك سببان للحب، كما ويزداد الحب بنسبة أخرى بين الناس إن كان هذا الحب مبنياً على عنصر آخر وهو الأصل الواحد واللغة الواحدة، ولنمثل على ذلك بحب العرب لبعضهم البعض، فالعربي يحب العربي الآخر لأنه مشترك معه في اللغة العربية الخالدة التي هي واحدة من أعرق لغات العالم وأجملها، فاللغة العربية تحتوي على عدد كلمات وعبارات هائل جعل منها الاجمل وافضل من بين لغات العالم كلها، وإن كان العربي غير مشترك مع العربي الآخر في الدين فهذا لن يكون مبرراً لاختفاء الحب، فيكفي أن الأصل واحد واللغة واحدة ويكفي أيضاً أن البشر إخوة مهما كانوا، ومن هنا فالقومية والإسلامية لا يجب أن تنفصلان كما لا يجب أيضاً أن تتناحران كما يحدث اليوم للأسف، بل يتوجب أن تكونا متآزرتين فهما مكملتان لبعضهما البعض وبشكل كبير جداً.
الوطن
إذا ما دخلنا إلى حدود الوطن، فالحب يفترض أن يزداد فالوطن يسع الجميع بكافة اللغات والأديان والأصول، فيكفي العادات الواحدة والتقاليد الواحدة ويكفي أيضاً جيرة الناس لبعضهم البعض، فالناس في الدولة كالفسيفساء، عندما يتجمعون مع بعضهم البعض يشكلون لوحة جميلة جداً فهذه اللوحة هي لوحة رسمها أبناء هذا الوطن بكل ما يمتلكون من قوة وحاولوا الحفاظ عليها منذ الآباء والأجداد ودافعوا عنها متوحدين متآزرين متكاتفين، وهم يعلمون أن بينهم اختلافات ولكنهم يعلمون أيضاً أنهم إخوة في البشرية والإنسانية وإخوة في الوطن وهذا مما يجعلهم وبشكل كبير جداً يستميتون في دفاعهم عن كيانهم داخل حدود وطنهم الذي يعيشون فيه.
كل هذه المعاني لا يعرف البعض من الناس إليها سبيلاً، فهم فقط متقوقعون على أنفسهم وعلى فئتهم الصغرى وهم غير قابلين لتقبل الآخر المخالف ولو حتى على أساس أنه وهو ينتميان إلى نفس الأب ونفس الأم وأن الدم الذي يجري في العروق واحد، وأن الأصل واحد والشكل واحد والمصير واحد وكل شيء واحد، وأن الفرعيات التي بين الناس تعرف على ما هى إلا أشياء لا تؤسس لعلاقة قوية، صحيح أنها تزيد من نسبة الحب بين الناس إن اشتركوا فيها ولكنها ليست الأصل في الحب، بل سنذهب إلى تعرف ما هو أبعد من ذلك، فالإنسان الواعي يجب عليه أن يحب كل شيء في هذا الكون لأنه يشترك معه في كونهما من مخلوقات الله عز وجل، فالإنسان الذي يصل إلى هذه المرحلة العالية من التفكير حري به أن يؤسس لعلاقة جيدة مع كل شيء من حوله، علاقة قائمة على مبدأ التكاملية وعلى مبدأ المشاركة في الموارد، فالله تعالى عندما خلق الأرض والكون قسم لكل شيء نصيبه وجعل الموارد على هذا الكوكب تكفي لكل ما عليه وتزيد، ولكن الكراهية عندما غزت عقل الإنسان وعندما غزت قلبه وسيطرت عليه، ازداد منسوب الأنانية عنده وتفعلت هذه السمة القبيحة وبشكل أكبر بكثير مما كانت عليه، مما جعله يستحوذ على كافة الموارد وأن لا يشاركها مع الآخرين نهائياً، مما جعل الحياة كتعرف على ما هى عليه اليوم، فبينما لا ينام البعض من الناس على الكنوز، لا يجد البعض سوى التراب ليناموا عليه وبينما يأكل البعض أكل عشرة أشخاص لا يجد البعض الآخر ما يأكلونه وما يسد رمقهم، فالبشر اليوم لم يدركوا معنى الحب، ولو أدركوه لما كانت الأوضاع على تعرف على ما هى عليه الآن.