ليس غريباً على المسلم أن يسعى لأن ينال محبّة الله تعالى ومحبّة رسوله الكريم عليه احسن وأفضل الصّلاة والتّسليم ، فنبيّ الأمّة الذي أنقذ برسالته الرّبانيّة البشريّة من الضّلال ، والذي أحيت سنّته الثّقلين ، وهو النّبي الأجدر بالمحبّة فهو سيد ولد بني آدم ولافخر ، وهو النّبي الذي دانت له القلوب وعشقته النّفوس وتعلّقت به ، وإنّ محبّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هي من محبّة الله تعالى وإنّ من يحبّ الله تعالى يحبّ رسوله ومن يحبّ رسوله فإنّه يحبّ الله ، وقد سمّي نبي الله بحبيب الله وخليلة لمكانته ودرجته العالية التي أعطاه الله أياها ، وقد كرّمه الله تعالى بالمقام المحمود حيث يقوم بين يدي الله تعالى للتّشفع للخلق للحساب من بعد الإنتظار الطّويل ، فمحبّة النّبي عليه الصّلاة والسّلام يسعى لها المسلمون جميعاً ، وإنّ الظّفر بمحبّة رسول الله تعالى تكون بما يلي :
اتّباع سنته عليه الصّلاة والسّلام ، فالمسلم الحريص على نيل محبّة النّبي الكريم يتّبع سنّته وهديه ، فالمحبّ المخلص يطيع حبيبه ولا يعصيه ، وهو يقتدي بنبيّه الكريم على جميع أحواله ، فيعفي لحيته تشبّها بالنّبي ، ويستنّ سنّته في اللباس وأدابه في الأكل وسائر أمور الحياة ، ولا عزاء لأولئك النّفر الذين تراهم وتجلس إليهم ليتحدّثوا إليك عن محبّة النّبي عليه الصّلاة والسّلام وتراهم في حياتهم وسائر أمورهم بعيدين كلّ البعد عن سنّته وهديه ، فهؤلاء هم المحبّين المدّعيين المزيّفين الذين يحتاجون إلى توضيح محبّتهم بالفعل قبل القول .
وقد كان الصّحابة الكرام يضربون أروع الأمثلة والنّماذج في محبّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم ، وحينما جاء رسول وفد قريش إلى النّبي الكريم يوم صلح الحديبيّة وجد صحابة رسول الله يلازمونه على كلّ أحواله حتى النّخاعة منه يأخذونها ويتلقّفونها تبركاً به عليه الصّلاة والسّلام ، حتى عندما رجع إلى قومه قال جئت كسرى وقيصر في قومه وقال معبّراً عن تلك المحبّة العجيبة رأيت قوماً لا يسلمونه لشيءٍ أبداً ، أي يضحّون من أجله بالغالي والنّفيس ، ويفتدونه بأرواحهم وأنفسهم ، وقد عبّر الصّحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عن محبّته للّنبي الكريم حين أسره الكفّار وصلبوه فقيل له هل تتمنّى أن يكون مكانك رسول الله وأن تكون بين أهلك ومالك ، قال لا أتمنى أن يكون ذلك وأن يشاك رسول الله بشوكة ، فتلك حقيقة المحبّة وصنيعها في النّفوس .