حول تكريم المرأة وصيانة حقوقها، جزء من خطبة النبي في حجة الوداع، وفي هذه الجزء وصية من النبي بالنساء، وتأكيد على ما شرع لهن من حقوق يقول (فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. )
وفي هذه الجزء من خطبته ( من الفوائد والأحكام ما نقبس منه ما يلي:
· إشارته ( إلى ما كان عليه أهل الجاهلية من ظلم المرأة وتحقيرها وإضاعة حقوقها، وتحذيره من ذلك وزجره عنه، وذلك بقوله ( فَاتّقُوا اللّهِ فِي النّسَاءِ).
· تعظيم حق المرأة، والترهيب من المساس به بغير حق، وذلك في قوله (فَإِنّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانِ اللّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَةِ اللّهِ ) والكلمة قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) النساء: 3.
· حضه على مراعاة حقوق النساء، ووجوب معاشرتهن بالمعروف، فالنساء شقائق الرجال، وذلك بتوفية حقها في المهر والنفقة، وتجنب العبوس في وجهها بغير ذنب، وتطييب قوله لها، فلا يكون فظًّا ولا غليظًا، ولا مظهرًا ميلاً إلى غيرها، وتحسين فعله وهيئته بحسب قدرته كما يحب ذلك منها، فإن الله - جل وعلا - يقول: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة: 228
· قوله:( ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه) معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة أو أحداً من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك، قوله: ( فإن فعلن ذلك ) أي المخالفة ( فاضربوهن ضربًا غير مبرح ) والضرب هو نهاية المطاف، والضرب المبرح هو الضرب الشديد ويشترط فيه أن يكون غير مبرح بسواك ونحوه.
والنصوص الشرعية تبين أن الطريقة المثلي تجنب ضرب النساء بالكلية، وذلك لما يلي:
عن عائشة أنها قالت: ( ما ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده امرأة قط، ولا خادمًا، ولا ضرب شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله) رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أن النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا - أو قال يجامعها - في آخر اليوم!) رواه البخاري، وهذا تعجب من النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن يفعل ذلك وتحذير منه؛ إذ كيف يطيب لأحد أن يسطو على امرأته بالضرب فتكون منه كالشاة من الذئب، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( لقد أطاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم) صحيح قوله: ( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) فيه وجوب النفقة والكسوة على الزوج
دور المرأة في عصر النبوة :
ومن ينظر إلى المرأة في عصر النبوة يجد أن المرأة وقفت مع الرجل من أول يوم، أول صوت ارتفع بتأييد دعوة محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن صوت رجل، بل كان صوت امرأة، صوت خديجة رضي الله عنها، وأول دم أريق في الإسلام، أول شهيد في هذا التاريخ، تاريخ الإسلام، لم يكن رجلاً، أول شهيد كان امرأة، سمية أم عمار وزوج ياسر رضي الله عنهم جميعاً، كان للمرأة دورها منذ بداية التاريخ الإسلامي، شاركت المرأة في نصرة الدعوة الإسلامية وشاركت في بناء الحضارة الإسلامية، المرأة هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، كانت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر بن أبي طالب في الحبشة، وظلوا هناك حتى جاءوا في السنة السابعة للهجرة، من الحبشة إلى المدينة، كانت المرأة ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة قبل الهجرة، مع الأوس والخزرج، وكانت المرأة بعد الهجرة ممن قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزوات حتى ترجم الإمام البخاري في صحيحه (باب غزو النساء وقتالهن) وذكر أمهات المؤمنين والصحابيات اللائي شاركن في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ومن منا لا يذكر نسيبة بنت كعب أم عمارة الأنصارية وقتالها في غزوة أحد وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما التفت يميناً وشمالاً إلا وجدتها تقاتل.
المرأة كان لها دورها في عهد النبوة ونزل القرآن في عدة سور تتحدث عن المرأة، عشرات السور، وبعض السور أسماؤها تحمل اسم المرأة وهناك سورة (مريم) وهناك سورة (المجادلة): (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) كان للمرأة دورها في الحياة الإسلامية، ثم جاء دور التراجع، تراجع دور المرأة مع تراجع الحضارة الإسلامية ، وتخلف المسلمين فشاعت أحاديث موضوعة، مثل: لا تعلموهن الكتابة، ومثل: شاوروهن وخالفوهن، ومثل: دفن البنات من المكرمات، إلى آخره، وشاعت كذلك فتاوى متشددة منعت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة، و أجازوا للمرأة الكبيرة أن تذهب إلى المسجد، ثم جاء المتأخرون من الفقهاء وقالوا لا، حتى المرأة العجوز لا يجوز أن تذهب إلى المسجد.
المرأة العجوز لها رجل شايب ينظر إليها، فمنعاً للفتنة نمنع النساء من الذهاب إلى المسجد، وحرمت المرأة من الذهاب إلى المساجد في كثير من البلاد الإسلامية، ونسوا أو تناسوا قول الرسول (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )
دعاوى ظلم المرأة في المجتمعات الإسلامية!
أولا / لا بد من التفريق بين أمرين:
الأول: إن الظلم هو منع الحق، ولكن ما يعتبر حقًّا في بعض الثقافات قد لا يكون حقًّا في واقع الأمر ، إن من الناس من يعتبر حرية ممارسة الفاحشة حقًّا ، وأن منعها ظلم ويعتبر ممارسة الشذوذ الجنسي حقًّا ، وأن منعه ظلم ؛ ويرى حرية تعاطي الخمور حقًّا ، وأن منعها ظلم .
الثاني: أن عدم ممارسة بعض الحقوق لا يعني بالضرورة الظلم، فقد يكون ذلك باختيار حر من أصحابها؛ لاعتبارات يرونها.
إن الحق في التقاضي مكفول للناس كافة، وقد يفضل كثير من الناس التغاضي عن بعض حقوقهم وعدم الدخول في معمعة التقاضي والتردد على أبواب المحامين، حفاظا على أواصر الود أو رحم، وإن لجميع المواطنين الحق في التعليم الأولي المجاني في أغلب المجتمعات؛ ولكنهم قد يفضلون التنازل عن هذا الحق واللجوء إلى التعليم الخاص أو التعليم المنزلي.
إن قضية المرأة ضاعت بين الإفراط والتفريط، ككثير من قضايانا الفكرية والاجتماعية الكبرى، أضاعها الغلو والإفراط من ناحية وأضاعها التسيب والتفريط من ناحية أخرى، ومن قديم اختلف الفلاسفة والحكماء والشعراء في قضية المرأة، حتى قال بعض الحكماء: المرأة شر كلها وشر ما فيها أنه لابد منها، ومستحيل أن يخلق الله شراً كاملاً ثم يكون هذا الشر لابد منه، والعجيب أن بعضهم ينسب هذا إلى علي ابن أبي طالب، قلت لهم هل يقول هذا علي ابن أبي طالب عن زوجته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين أنها شر كلها وأن شر ما فيها أنه لابد منها، مستحيل أن يقول ذلك، هذا ضد القرآن وضد السنة.
لقد شاعت نظرة دونية مؤسفة للمرأة في كثير من البلاد، وهذه النظرة ليست من الإسلام في شيء، ضاعت قضية المرأة بين المفرِِِِِطين والمفرّطين، هناك المفرطون الذين أرادوا من المرأة المسلمة أن تتبع المرأة الغربية شبراً بشبر وذراعاً بذراع، لا يريدون لها أن تحتفظ بشخصيتها الإسلامية، بقيمها، بشريعتها، بضوابطها، وإنما تتسيب وتخرج كاسية عارية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم صنفان من أهل النار لم أرهما، رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة كأنما يصور هؤلاء اللائى يلبسن الباروكات كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا هذا صنف، وصنف آخر يريد أن تظل المرأة حبيسة البيت، لا تخرج منه، حتى إن بعضهم قال – ويا لهول ما قال – إن المرأة الصالحة لا تخرج من بيتها إلا مرتين، مرة من بيت أبيها إلى بيت زوجها، والأخرى من بيت زوجها إلى قبرها، عجيب، مع أن القرآن يجعل الإمساك في البيوت والحبس في البيوت عقوبة للمرأة الزانية، كانت عقوبة في أول الإسلام حتى أقرت الحدود واستقرت الأحكام، (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوافهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا).
في بعض بلاد الخليج رفضوا أن يكون للمرأة حق التصويت في الانتخاب، ، وهذا والله ليس من الإسلام في شيء، إنها غلبة العصبيات والتقاليد على التعاليم الإسلامية، أما التعاليم الإسلامية فتطلق المرأة لتعمل جنباً إلى جنب بجوار الرجل، قالوا المرأة نصف المجتمع، وهذا صحيح من الناحية العددية، ولكن المرأة أكثر من النصف ،لأنها تؤثر في النصف الآخر، تؤثر في زوجها إيجاباً أو سلباً، وتؤثر في أبنائها إيجاباً أو سلباً، ولهذا لا يجوز أبداً أن نعطل هذه الرئة، أو نهيض هذا الجناح، من جناحي المجتمع، لابد أن تسير المرأة مع الرجل جنباً إلى جنب، ولكن بشرط أن ترتبط بأوامر الله ونواهيه، نحن لا نرفض أبداً أن يكون للمرأة دورها في السياسة، ودورها في التنمية بل هذا هو الذي يجب شرعاً ويجب ديناً، ولكن لابد لنا أن ننبه هنا أن يكون سير المرأة وحركتها في إطار المرجعية الإسلامية الحاكمة، نحن لسنا أمة متسيبة، نحن أمة لها شرع، ولها دين ولها رسالة، فلابد أن تكون حركة المرأة كحركة الرجل منضبطة بالمرجعية الإسلامية، ليست مرجعيتنا تلك التي تريد أن تلغي جميع أشكال التمييز بين الرجل والمرأة حتى ما جاءت به القواطع الشرعية،
و الانحرافات لم يخل منها مجتمع ، والمبادئ تقوم من خلال مضمونها، وليس من خلال انحرافات قلة من المنتسبين إليها، فإذا وجدت بعض المظالم في بعض البيئات فهو من الباطل الذي يسخطه الله ورسوله .
وأخيرًا، فإننا لم نعرف ظلمًا للمرأة كهذا الذي يمارس في المجتمعات العلمانية، التي حولت جسد المرأة إلى سلعة تروج بها البضائع والمنتجات، وألجأتها إلى أشق الأعمال وأعنفها عندما أعلنت التخلي عن كفالتها، وألزمتها بالكدح في طلب القوت