مرّت الأمّة الاسلاميّة في بدايات عهدها بأيام من الرخاء وكذلك بأيام من الشدّة التي أعقبتها الخلافات السياسية وكذلك الخلافات المذهبيّة والطائفيّة، ولكن الذي يُسجّله التاريخ بماء الذهب هو أنَّ العالم قد وجَد فيئاً وارفاً من حرارة العبوديّة التي أذاقتهُ إيّاها الدول المستبدّة وشريعة الغاب التي كان القويّ فيها يأكل حقَّ الضعيف، فجاءَ الإسلام بعدل أحكامه وعدل حُكّامهِ أيضاً، ففي زمن عُمر رضيَ الله عنه كانَ العدل هو شعار الحكم وكانَ الرخاء سائداً، وأصبحت منظومة القيم هيَ القانون الحاكم.
واستمرّالعدل الذي أورثتهُ شريعة الإسلام الربّانيّة قائمةً وكانت في أشدِّ تألقّها وازدهائها في عهد الخلافة الراشدة التي كانت على منهاج النبوّة، وقد كانَ بعد حُكم الصحابة الكِرام أن انتقل الحُكم من نظام الشورى إلى نظام الحُكم الملكيّ أو الوراثي في عهد بني أميّة ابتداءاً من حُكم معاوية بن أبي سُفيان رضيَ الله عنه عَقِب الأحداث الدامية بين جيش العراق بقيادة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضيَ عنه، وبين جيش الشام بقيادة أميرها مُعاوية بن أبي سُفين رضيَ الله عنه.
وقد استمرَّ الحُكم الأموي بشكلٍ وراثيّ وكانَ أهل العراق وخُراسان من أشدّ الناقمين عليه، ولم تخلو المسيرة الأمويّة من وجود الفتن واشتعالها في أرجاء الخلافة، وكانَ أعظم النقلات الجذريّة في مسيرة الخلافة الأمويّة هوَ نشوء التنظيم السريّ لخلافة بني العباس في منطقة الحُميمة جنوبيّ الأردنّ، فمن هُم العباسيون وإلى من ينتسبون.
من هُم العباسيون
يعود نسَب العباسيين الذين آلت إليهم الخلافة بعد بني أميّة إلى جدّهم عمِّ رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم وهو العباس بن عبد المُطلّب رضيَ الله عنه، وقد اكتسبوا هذهِ التسمية كما قُلنا نسبة إلى العباس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالإضافة إلى ظُهورهم كتنظيم يدعو إلى استعادة الخلافة لتكون في بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتكونَ خلافةً هاشميّة، وقد اكتسب العباسيون تأييداً واسعاً من أهل العراق الذين ضاقوا ذرعاً ببني أميّة وكذلك ساعد أهل خُراسان بقيام قاعدة قويّة للعباسيين ساهَمَ فيها أبو مُسلم الخُراسانيّ الذي قاتَل جيوش بني أميّة في عدّة نوازل وكانَ النصر حليفاً له، وقد استقرَ العباسيون في منطقة الحُميمة زمَنَ علي بن عبدالله بن عبَاس، وظلّت البيعة فيهم حتّى استقرّت الخلافة بأيدي العباسيين في عهد عبدالله بن محمّد المُلقّب بالسفّاح، حيث سقطت في عهده جميع معاقل الخلافة الأمويّة وذلك سنة 132 هجريّة، ما عَدا الأندلس التي بقيت في حُكم عبد الرحمن الداخل من بني أميّة.