الحضارة الإسلامية من أرقى الحضارات التي تعاقبت على تاريخ البشرية، فهي راقيةٌ بكل ما تحمله في ثناياها من مبادئ وأفكار، والتي ما زالت راسخةً ومحفورةً في قلوبنا وعقولنا إلى الآن، والتي لم ولن تندثر إلّا بإندثار البشرية بأكملها من هذا الوجود، وقد ظهر رقي الحضارة الإسلامية جليّاً في المباني والعمارات التي بنيت في ذلك الوقت، حيث امتازت هذه المباني بطابعٍ خاص بالمسلمين أكسبها الهوية الإسلامية، فالمسلمين كانوا لمساتهم الخاصة إلى البنايات لتتميّز عن غيرها من باقي الحضارات، وما تزال الكثير من العمارات الإسلامية ماثلةً إلى يومنا هذا، وأمثلتها كثيرة جداً إلا أننا سنكتفي في هذا المقال بالحديث عن قبة الصخرة المشرفة.
قبة الصخرة المشرفة واحدة من أقدم المعالم الإسلامية التي ما زالت ماثلةً ومحافظةً على شكلها وبنائها بكامل روعته إلى يومنا هذا، فهي الجزء المهم الذي لا يتجزّأ من المسجد الأقصى الواقع في فلسطين في مدينة القدس، وهي إحدى اجمل وافضل وأروع المعالم التي خلدتها لنا الحضارة الإسلامية والتي تمتاز بروعة وجمال فنها المعماري الذي لا يوجد له مثيل في العالم أجمع، لتبقى شاهدةً على مدى رقي الفكر وفن العمارة الإسلامي.
سمّيت قبة الصخرة بهذا الإسم لأنها بنيت فوق الصخرة المشرفة التي عرج منها رسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلا ليلة الإسراء والمعراج، وقد تم بناؤها في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، تحت إشراف المهندسان رجاء بن حيوة الكندي، وهو أحد التابعين المعروفين آنذاك، ويزيد بن سلام، وهو مولى الخليفة عبدالملك بن مروان، وكانت قد امتدت فترة بنائها بين عامي 66 هـ، و72 هـ، والسبب الذي جعل عبدالملك بن مروان يقدم على بناء قبة الصخرة هو جذب جميع المسلمين وإستقطابهم إليها من جميع أنحاء العالم، خاصةً أن عاصمة الخلافة انتقلت إلى مدينة دمشق بعد إنتقال إقامة الأمويين إلى بلاد الشام.
لقبة الصخرة مصلىً خاص بها، وبناؤها مميز وهو على شكل مضلع ثماني الأضلاع، يضم أربعة أبواب، بحيث يتضمن هذا المضلع تثمينة أخرى في داخله قائمةً على دعامات وأعمدة أسطوانية الشكل في داخلها أيضاً دائرة كبيرة تتوسطها الصخرة المشرفة والتي يقدر إرتفاعها عن أرضية البناء بـ 1.5 م، وهذه الصخرة غير منتظمة الشكل بحيث يتراوح قطرها بين 13 م و18 م، لتحيط بها من الأعلى ومن الجهة الوسطى قبة ذهبية اللون يبلغ قطرها حوالي 20 م، والسر في لونها الذهبي الأخاذ هو طلائها من الخارج بألوح من الذهب يبلغ ارتفاعها 35 م، ليعلوها بعد ذلك هلالاً يبلغ ارتفاعه 5 م.