قصة إرم ذات العماد من إحدى القصص التي وردت في القرآن الكريم، حيث إن مدينة ( إرمَ ) ذات العمادِ تقع في اليمن بين ميدنتي حَضْرَمَوْتَ وصنعاء، والتي قام ببناءها شدَّادٌ بنُ عاد.
كان قوم عاد طوالاً يصلُ طولُ الواحدِ منهم إلى حوالي ستة أمتار، وقد كان لعادٍ ابنانِ: شدَّادٌ، وشديدٌ ؛ فأخذوا البلدة عنوة و بطشاً، فمات شديدٌ، وبقي شدادٌ، فأكملَ غزواتهِ، حتى سيطر على الدنيا، وركع له باقي الملوك.
وكان شدادٌ ذا بطش شديد، يعبد الأصنامِ، وأولع بقراءةِ الكتبِ القديمةِ، وكلما صادفته كلمة الجنةِ ومواصفاتها الخيالية، أراد أن يتحدى الله تعالى كفراً وعناداً، وأن يبني مثلها، فأخبر أمراءه : "إني مُتَّخذٌ في الأرضِ مدينةً على صفةِ الجنة، فأشار في بداية الأمرِ إلى مائةَ رجلٍ من قومه، وكل رجلٍ منهم يعمل لديه ألفُ شخص يساعدونه، وأمرَهم أن يبحثوا في أراضي اليمنِ، ويختاروا أحسنها تربةً، وأجملها هواءً، وزودهم بالمال، وبعث إلى ملوكه يأمُرهم أن يكتبوا إلى وُلاتِهِم في جميع أنحاء بلادهم: أن يجمعوا كلّ ما في أراضيهم من ثروات الذهبِ والفضةِ، والدرِّ والياقوتِ، والمِسْكِ والعنبرِ والزعفرانِ، ويبعثوها إليه، وأمر الغواصين أن يستخرجوا الجواهرَ واللآلىءَ من قيعان البحار والمحيطات، فجمعوا له ثروة كبيرة ووفيرة، واختاروا أرضاً طيبة التربة، سهلةَ الهواءِ، وأشار عليهم (شدادٌ) بأن يبدأوا العملَ فيها لبناءِ جنتِه، التي يحاكي بها جنة الله، ووضع فيها كل الثروات التي جمعها، وطلاها بالذهب، وأنشأ وادي ماء عذبة تحتها، وأحاطها بسور من اللآلئ، وأنشأ فيها أشجار من الدر والمرجان والياقوت، حيث استغرق في بناءها خمسمائة عام، وعندما أرسل الله هوداً - عليه السلام - ليدعوهم إلى الإسلام، كفر شداد وجحد، ووسوس له إبليس أن يستمر في كفره، وأنه استطاع أن يبني مثل جنة الله، حيث أنذره هود - عليه السلام -، لكن من شدة بطشه وكبريائه لم يستجب، وعندما علم بأن وكلائه انتهوا من بناءها، قام بأخذ موكب معه ليذهب إليها، حيث كان له ابناً مسلماً مؤمناً بالله، يُدعى مرتد بن شداد، وعندما قارب أن يصل إلى مدينة إرم أخذته صيحة واحدة؛ فدمرته هو ومن كان معه، فلم يبق لهم أي أثر؛ فمات شداد، وقام ابنه ببناء قبر له، وأحاطه بالذهب؛ حتى يثبت له بأنه لن ينتفع بأي من الذهب و اللآلئ، ووضع على قبره لوحة منسوجة بماء الذهب، كتب فيها على لسان حال أبيه :
اعتبرْ يا أيها المغــــرورُ بالعمرِ المديدِ أنا شدَّادٌ بنُ عادٍ صاحبُ الحصنِ المشيدِ وملكتُ الشرقَ والغَــربَ بســلطانٍ شديدِ فأتى هـــودٌ وكُنَّـــا في ضلالٍ قبلَ هــودِ فدعــانا لو قَبِـلنــا كانَ بالأمــرِ الرشـــيدِ فعصينـاهُ ونادى: "ما لكم؟ هل من محيـدِ؟" فـأتتــنا صيــحةٌ تهــوي من الأفـقِ البعيـدِ فتـوافَـيْنَــا كزرعٍ وَسْــطَ بيـــداءٍ حصيــدِ
تعتبر قصة شداد بن عاد عبرة وموعظة لكل من يتحدى الله تعالى، ويعتقد بأنه يستطيع خلق ما يخلقه الله. وهكذا ستكون نهاية كل كافر جاحد .