السنة والعام وإن كان الكثير من عامة الناس وحتى المثقفين يخلطون بينهما ويستعملون كل لفظة في غير محله، دون تفريق أو تمييز، فإن العرب قد توسعت في هاتين اللفظتين واستخدمت كل لفظة منهما في موضع مختلف، ففي علم اللغة والبلاغة هناك فرق بين لفظة السنة ولفظة العام.
أولاً: السنة:
تكرر هذا اللفظ في القرآن الكريم في عدة صيغ ومواضع، فالمفرد ورد سبع مرات، أما جمع سنة وهو "سنين" فقد أورده الله اثنتي عشرة مرة، وتدل لفظة السنة على الشدة والجدب والأيام الصعبة، فإذا مرت عليك فترة زمنية شديدة، صعبة، كان فيها البلاء والابتلاء، وضاقت عليك الأرض بما رحبت فإن هذه الفترة تسمى بـ "السنة" وليس العام.
وقد وردت لفظة السنة في آيات القرآن الكريم مقرونة بعددٍ صريح أو مدةٍ معينة، فنجد مثلاً:
(قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً...) المائدة: 26
(...و َإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) الحج: 47
(... فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا...) العنكبوت: 14 فكل الآيات القرآنية السابقة تدل إما على العذاب كما في الآية الأولى لبني إسرائيل لرفضهم العمل بأمرهم الله ودخول الأرض المقدسة فحكم عليهم بالعذاب والتيه ومات من مات منهم في تلك الفترة فنجد أن القرآن وصف تلك الأيام بلفظة "السنة".
ونجد في الآية الثانية شدة الوعيد لمن يستهون عذاب يوم واحد في القيامة فجاء الوعيد والعذاب والشدة بلفظة السنة.
أما الآية الثالثة فنجد كم التعب والمشقة والشدة التي لاقاها سيدنا نوح عليه السلام وهو يدعو قومه إلى عبادة الله الواحد الذي لا شريك له.
بعد كل ما سبق ذكره نستنتج أن لفظة "السنة" تطلق على العذاب والتعب والشدة والمشقة.
هذا وقد جاءت لفظة السنة جمعاً أيضاً، وهذا لا ينتقص من دلالتها، فقد جاءت تدل على المشقة كإنقطاع المطر، وحبس الثمر كما حصل مع قوم فرعون الذي تجبروا وتكبروا ولم يسمعوا للكلام سيدنا موسى عليه السلام: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الأعراف: 130. وقوله تعالى: (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)، ومن المعروف أن فترة السجن هي قطعة من العذاب والمشقة.
ثانياً – العام
وعلى العكس تماماً من لفظة "السنة"، فإن لفظة "العام" تدل على الخير والراحة والسرور، وقد ذكرت هذه اللفظة في القرآن الكريم أيضاً في ثمانية مواضع، ووردت لفظة "عامين" مرة واحدة، دعونا نتأمل بعض من تلك الآيات الكريمات لنبرهن على صدق المقال:
- (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ...) البقرة: 259 - (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا.. ) العنكبوت: 14 - (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ.. ) لقمان: 14 نجد أن الله تعالى في الآية الأولى قد حدد زمن الموت ولكن لم يترافق مع ذلك شدة أو عذاب كالآبات التي ذكرت فيها لفظة "السنة".
وفي الآية الثانية نجد أن سنوات الدعوة التسعمائة والخمسين لسيدنا نوح عليه السلام كانت صعبة عصيبة فذكرت بلفظ "السنة" أما بعدها فقد أنزل الله العذاب بالكافرين وأنجاه هو ومن معه من المؤمنين فذكر لفظ "عاماً" دلالة على الراحة دون العذاب والمشقة.
أما الآية الثانية، فمن المعروف أن فطام الصغير شيء يبعث على الفرح والسرور، وهناك من يقوم احتفالاً يوم فطام الصغير، ولهذا فقد ذكرت في القرآن بلفظ "عامين" وهي مثنى "عام"
ولعل من أكثر الآيات الدالة على هذا الفرق بين السنة والعام هي تلك الآية التي فسر فيها يوسف عليه السلام رؤية الملك: (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ..) وعاماً بعدها من الرخاء (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ).