الإسلام دين سماوي، فهو خاتم الأديان، أرسل الله تعالى نييه محمداً -صلى الله عليه وسلم- ليدعو إليه ويبشر به، وقد عانى الرسول كما عانى إخوانه الأنبياء من قبله في سبيل هذه الفكرة وفي سبيل نشر الدعوة وتبليغها للناس، وقد اصطدم الرسول وأصحابه المؤمنون بعداء المجتمع الظاهر لهم، وهذا العداء ناتج من تضارب مصالحهم مع هذا ما يدعو إليه هذا الدين، وهو يتعارض أيضاً مع ما كان سائداً في المجتمع من عادات سيئة، مع العلم أن الإسلام لم يأت بأخلاق جديدة، بل جاء ليؤكد الأخلاق الحميدة التي كانت موجودة قبله ويعمل على محو الأخلاق السيئة.
يدعو الإسلام إلى الإيمان بالله تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي خلق هذا الكون واستخلف فيه الإنسان، وميزه عن سائر مخلوقاته بأن أعطاه العقل والروح، ليهتدي بهما إليه، ويرشدانه إلى الطريق القويم، فبالاهتداء إلى الله تهذب النفوس، وتسمو الأخلاق، ويزيد الإدراك والوعي بأهمية وفائدة الإنسان وبدوره الحيوي على هذه الأرض.
وسنأخذ في هذا المقام فترة بعثة الرسول والتي امتدت على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، فهذه الفترة هي الفترة الوحيدة خلال التاريخ الإسلامي التي مثلت الإسلام ومثلت أهدافه وتطلعاته، بسبب وجود الرسول المعصوم فيها وقيادته المجتمع آنذاك، أما ما تلا هذه الفترة فهي فترات بشرية عادية خضعت للخطأ والصواب، ولا يمكن اعتبار أنها تمثل الإسلام، بل هي مجرد تاريخ بشري فيه الصعود وفيه الهبوط فيه العزة وفيه الانكسار فيه النهضة السامية وفيه التراجع المخزي، لذلك ففترة النبي المحمد هي الفترة المرجعية التي تمثل الإسلام وتبين مبادئه وتطلعاته.
من مبادئ الإسلام العظيم سعيه كما أسلفنا إلى إتمام مكارم الأخلاق، كما سعى إلى العدل والمساواة بين الناس فلم يميز بين الناس على أساس المعتقد أو العرق أو اللغة أو اللون أو على أي أساس آخر ولا حتى أساس الجنس، كما جاء الإسلام متوافقاً مع العادات والتقاليد التي تربى عليها الناس ما لم تكن سلبية وضارة، إضافة إلى سعيه لتحقيق النهضة الاقتصادية في المجتمع وإضفاء التكافل الاجتماعي بين الناس، عن طريق الزكاة والصدقة. لم يسع الإسلام إلى نشر فكره بالسيف، وإن لم تتغير وجهة النظر حول ما هى اسباب الحروب التي خاضها الرسول إلى أنها كانت حروباً دفاعية، فلم يبدأ الرسول أحداً بالقتال، وإنما جاء ذلك رد فعل على تهجمهم عليه. ولم يتخذ الرسول وأصحابه من حرب العصابات وسيلة لنشر الفكرة حتى عندما كانوا يتعرضون لأشد أنواع الأذى في الفترة المكية.