كان النّاس في الجاهلية في ظلمات الشّرك والضّياع لا يحلّون حلالاً ولا يحرّمون حراماً ، يتخبّطون في غياهب الجهل والرّذيلة حتى بعث الله لهم محمّداً صلّى الله عليه وسلّم بالنّور المبين والشّريعة الكاملة ، وقد عبّر الصّحابيّ الجليل ربعيّ بن عامر رضي الله عنه بقوله لكسرى حين سأله عن سبب خروجهم أنّهم جاؤوا لإخراج النّاس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ، فتحقيق العبوديّة لله تعالى هي غاية التّشريع وحقيقة استخلاف الإنسان على الأرض وجوهرها مبنيّةٌ على عبادة الله سبحانه وإقامة دينه في الارض .
و قد جاء الإسلام رحمةً للعالمين وهدى ، فشرع للبشريّة ما يصلح حالها فلا تضلّ ولا تشقى ، وقد لامس الإسلام شغاف قلوب المؤمنين فأحياها وجعل لها نوراً تمشي به وتهتدي فلا تتنكّب الصّراط ، ليلها كنهارها لا يزيع عنها إلا هالك ، فالمسلم هو دائماً على نورٍ من رّبه ويقين لسان حاله يردّد ( قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرةٍ ، أنا ومن اتّبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) .
و الإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل ، فالمسلم يمتلئ قلبه بالإيمان والتّقوى ويعبّر عن ذلك بأعمالٍ وأفعالٍ يجسّدها واقعاً في حياته ، فما فائدة الطّاقة الكهربائيّة في حياتنا إن لم نرى آثارها في واقعنا وبيوتنا وطرقاتنا ، فكذلك المؤمن طاقته الإيمانيّة تتجّلى آثارها عنده بالخيرات والعمل الصّالح وترك المنكرات ، وقد حرص السّلف الصّالح على تجسيد هذا المعنى في حياتهم فبذلوا الدّماء وضحّوا وقدّموا الكثير من أجل رفعة هذا الدّين ، وكانوا يقرؤون عشر آياتٍ من القرآن لا يجاوزوها حتى يتعلّموها ويعملون بها ، فالدّين عندهم إعتقادٌ بالقلب وعملٌ بالأركان ، وكما عرّف سيّدنا عليّ رضي الله عنه التّقوى بقوله هي الإيمان بالتنّزيل والخوف من الجليل والرّضا بالقليل والاستعداد ليوم الرّحيل ، والمسلم حين يحبّ الله ورسوله ترى علامات و دلائل ذلك عليه ، فالمحبّ لمن يحبّ مطيع ، ومن وقر الإيمان في قلبه واستقر وعرف الله سبحانه وعرف رحمته بعباده أطاعه ولم يعصه أبدا .