تبقي الأمم والحضارات باستمرار ودوام الأخلاق والقيم فيها، فبدون الأخلاق تكون حياة النّاس منفلتةً من كلّ عقال، ذلك بأنّ منظومة الأخلاق في المجتمع تشكّل ضوابط له تحكم سلوك الأفراد فيه وتخرجها بصورةٍ حسنةٍ جميلة، فحين يتكلّم الإنسان عن خلق الصّدق وأهمّيته للمجتمع مثلاً، فذلك يعني أنّه عندما يكون النّاس صادقين في تعاملهم فإنّ ذلك ينعكس على زيادة الثّقة فيما بينهم، فترى الإنسان يتعامل مع النّاس وهو يشعر بالرّاحة والأطمئنان بأنّ من يتعامل معه يصدقه في كلّ شيء، وبالتّالي تتيسّر معاملاته وتنجز بأسرع وقت، وكذلك سائر الأخلاق، وحتّى نتعرف على أهميّة الأخلاق يجب أن نعرف آثارها على الفرد في علاقته مع ربّه، وكذلك أهمّيتها بالنسبة للمجتمع ككل، فنقول :
إنّ الأخلاق بالنسبة للفرد تشكّل جانباً كبيراً من إيمانيّاته، بمعنى أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قد جاء ليتمّم مكارم الأخلاق، كما بيّن النّبي الكريم فضل حسن الخلق في الدّنيا والآخرة، وأنّ أقرب النّاس مجلساً إليه أحسنهم خلقاً، وبالتّالي فإنّ التزام المسلم بالأخلاق ينبع من أهمّيتها في توثيق علاقته مع ربّه، ورفع درجاته، فالمسلم حين يكون تعامله حسناً مع النّاس فإنّه يثاب على ذلك، ولذلك يسعى كلّ مسلم لأن يزكّي نفسه بالأخلاق ابتغاء مرضاة الله تعالى.
أمّا أهميّة الأخلاق في المجتمع فتظهر عندما ترى صور التّكافل والتّراحم وحسن الخلق بين النّاس، فعندما يكون الإنسان صادقاً مع النّاس ولا يغشّ في بيعه وتعاملاته فإنّ ذلك ينعكس على علاقته مع النّاس فيحبّه الناس لأجل ذلك، وتزيد الثّقة بين النّاس بعضهم البعض، وترى خلق التّسامح في المجتمع والعفو يحدث آثاراً عجيبةً في المجتمع، فإذا عفا أحدٌ من النّاس عن إنسان ظلمه أو اعتدى عليه تغيّرت مشاعر المعتدي فتراه يشعر بالذّنب لما اقترفه بحقّ أخيه عندما يستشعر حسن الخلق في أخيه وكيف عفا عنه، وكذلك خلق الأمانة التي تعدّ من سمات المتّقين، فترى المجتمع الذي يكون فيه هذا الخلق متوادّاً متراحماً يؤمن بعضه بعضاً، فلا يخاف أحدٌ من جاره أن يسطو عليه في غيبته مثلاً، وترى النّاس تستأمن بعضها في كلّ شيء، ولا يتردّد المسلم في وضع الأمانات عند النّاس لأنّه يؤمن بأنّها لن تضيع، وإنّ هناك أخلاق كثيرةٌ لا مجال لحصرها يساهم وجودها في المجتمع في بناء أمّة حضاريّة تتقدم باستمرار بين الأمم بما تملكه من رصيدٍ أخلاقي ومنظومة قيمٍ ومثل.