الإعلام
يُعتبر مصطلح الإعلام من المصطلحات الحديثة نسبيَّاً، وقد ظهر وبرز على الساحة وأصبح تخصُّصاً له وزنه، وقيمته واعتباره، بعد أن تطوَّرت التقنيات الحديثة بشكلٍ هائل لم يسبق له مثيل من قبل؛ فللإعلام اليوم كليَّات ومعاهد متخصِّصة تدرِّسه وتبثُّ أفانينه بين طُلَّابه ومريديه، ومصطلح الإعلام من المصطلحات الواسعة؛ حيث يتضمَّن التقنيات، والوسائل، والمنظّمات، والمؤسّسات التجارية التي تُعنى عادةً بنقل الأخبار بين الأفراد في المجتمع الواحد أو في العالم كلِّه.
أهمّيَّة الإعلام
يُعتبر الإعلام في الدول الحديثة السلطة الرابعة في الدولة، وذلك لأهميَّته الكبيرة في كشف ما استتر من الفساد، والسواد المنتشر في الدولة؛ فالإعلام الجريء القادر على كشف فساد الحكومات، والأفراد، والذي لا يحابي الشعب أو الحكومة على حساب ضميره، بل يُسمعهم ما يحتاجون إليه هو الإعلام الذي من المفترض أن ينال الاحترام وليس العكس؛ فالإعلام الذي يتملَّق الحكومة والشعب على حدٍّ سواء إنَّما تسعى مؤسَّساته لإحراز المنفعة الماديَّة والشخصيَّة فقط، فهي لا تأبه لا بضمير ولا بأيِّ شيءٍ آخر.
مع تقدُّم الزمن، وتعاقب الأيَّام والسنين، تضاعفت أهميَّة الإعلام؛ فوسائل الإعلام اليوم تُعتبر من أبرز وسائل الترفيه التي يحبُّها النَّاس على الإطلاق؛ حيث تقدِّم لهم البرامج المختلفة كالمسابقات، والمنافسات، والمسلسلات، والأفلام، والرياضة، والعديد من الأمور الأخرى، كما أنَّ وسائل الإعلام وسيلة هامَّة من وسائل تشكيل الوعي المجتمعيّ، ولنا مع هذه النقطة وقفة.
الإعلام والوعي المجتمعي
يمكن للإعلام أن يجيِّش آراء النَّاس في مجتمع معيَّن دفعة واحدة لخدمة المصالح والأطماع سواء كانت داخليَّة أم خارجيَّة، ولو كان الإعلام منصفاً يريد الخير حقَّاً لما جيَّشهم إلَّا لتعرف ما هو خير، ولما نقل كلمة دون أن يدرس آثارها ونتائجها، فقد قال –عليه الصلاة والسلام-: "رُبَّ كلمة يقولها العبد يرفعه الله سبحانه وتعالى بها في الجنة درجات عالية، ورب كلمة يقولها العبد يهبط بها في دركات جهنم"، فكلام الإنسان خطير جداً، خاصَّة في هذا الزمن الذي نعيش فيه، والذي أصبحت الكلمات وعبارات تباع فيه في الشوارع، وعلى الأرصفة، ولعلَّ المثال الأبرز على هؤلاء الأشخاص هم دعاة الفتن الذين يسعون إلى خراب الأرض ونشر ثقافة الحرب بين شعوبها، بل وبين أفراد الأمة الواحدة، فهؤلاء الأشخاص –عليهم من الله ما يستحقون على عُثيِّهم في الأرض فساداً، وخراباً، ودماراً- هم أصل كلِّ بليَّة.
والوعي المجتمعيُّ قد يكون مخدَّراً نائماً من خلال ما تبثُّه وسائل الإعلام من صفاقة وانحدار أخلاقي رهيب، بحيث تنتشر بين النَّاس قيم الفساد، وتشويه المجتمعات بدلاً من أن تكون المنابر الإعلاميَّة منابر خير ورحمة للناس أجمعين، ولنأخذ حال الفنِّ في وطننا العربيِّ كمثالٍ على هذه النقطة؛ فالبعض يدافع عن الانحدار الرهيب في مستوى الفن بين عقود القرن المنصرم وبين القرن الحالي بالقول أنّ الجمهور يريد الاستمتاع، من قال أنَّ جمهور آبائنا لم يكن يستمتع قديماً بما يقدَّم هنا وهناك من فنٍّ رائع بكل المقاييس؟ بل العكس، فلربَّما كان استمتاعهم أكبر من استمتاعنا نحن؛ كونهم كانوا يتوفَّرون على متعةٍ نفتقدها نحن ألا وهي متعة الانتظار؛ والتي اندثرت وانقرضت في ظلِّ التقدُّم التقني الهائل في يومنا هذا.
من زاوية أخرى، يحُاول بعض من يطلقون على أنفسهم لقب (فنانين) تبرير المستوى الهابط لأعمالهم الإجراميَّة بأنَّها لا تمثِّل إلَّا الواقع، هذه الحيلة لو انطلت على البعض فهي حتماً لن تنطلي على البعض الآخر؛ فصحيحٌ أنَّ الفساد مستشرٍ بين الشعوب العربيَّة، إلَّا أنَّ ما يطرحونه لا يُمثِّل إلَّا فئة محدودة من المجتمع العربيّ؛ ولنفترض جدلاً أنَّ هذه الفئة تمثِّل السواد الأعظم، أيُّهما أخطر، مآسي شعوب لا ترى في نهاية النفق المظلم الذي تسير فيه سوى رغيف خبز مكسوٍّ بالعفن، والجشع، والطمع، أم ما يعرضونه هُم؟ وهل الانحلال والإجرام هو المقدِّمة المنطقيَّة للمشاكل وعيوب الاقتصاديَّة، أم أنَّ العكس هو الصحيح؟ لا شكَّ أنَّ الانحلال يزداد في مجتماعتنا وهذا واقع لا يمكن غضّ الطرف عنه، إلَّا أنَّ هناك مشاكل وعيوب أخرى مهَّدت لهكذا النتيجة، وكلُّ شيءٍ يجب أن يوضع ضمن إطاره المناسب.
الجنس في سياق الدراما
يتنطَّعون عادةً بجملة ليس لها مكان ضمن أي سياق، وهي (الجنس في سياق الدراما)؛ حيث تستعمل هذه الجملة عادة لتبرير كل تعرف ما هو منافٍ لأيّ قيمة كانت، والسؤال؛ لو تمَّ حذف كافَّة المشاهد الجنسية من ثمانٍ وتسعين بالمئة من الأعمال الفنيَّة، هل سيؤثِّر ذلك على سير الأحداث ووصول القصة للمتلقِّي؟ الجواب قطعاً لا، إذاً لماذا يلجأون إلى مثل هذه المشاهد وإلى مثل هذه التبريرات؟ الجواب إمَّا لتحقيق العائد المادِّي من خلال نشر ثقافة الانحلال، أو للتغطية على رداءة العمل من الناحية الفنيَّة، أو لتحقيق شهرة مصطنعة.
ولو أراد شخص التثبُّت من صحَّة ما سبق بإمكانه الذهاب إلى التصنيفات العالميَّة المعتمدة والمشهورة لاحسن وأفضل الأفلام السينمائية كتصنيفيّ IMDB أو تصنيف الـ AFI ومشاهدة الأفلام التي تصدَّرت بناءً على معايير واضحة هذه التصنيفات، ومن ثم عقد المقارنة بين ما تحتويه من إيحاءات أو مشاهد جنسيَّة وبين ما تحتويه الأفلام الأخرى التي تقبع خارجها والتي لم يعترف بها أيّ تصنيف يحترم نفسه، والنتيجة حتماً ستكون أوضح من عين الشمس في منتصف النهار.
الإعلام والإعلان
لا تقتصر أهمّيّة الإعلام على الجانب التوعويّ، ومحاربة الفساد، والترفيه؛ ففي ظل طغيان الرأسماليَّة صار للإعلام أبعاد أخرى، وأهميَّة أكبر؛ فقد صار الإعلام مصدراً مدرَّاً للدخل، من خلال نشر الإعلانات، وعقد الشراكات التجاريَّة، وما إلى ذلك، ولهذا المجال أيضاً سلبيّات وإيجابيّات، ولنبداً من حيث ما انتهينا إليه؛ فمن إيجابيّات الدور الإعلانيِّ الذي أنيط بوسائل الإعلام أنَّ الأفراد صاروا أكثر قدرة على معرفة المنتجات التجاريّة وعقد المقارنات التي تمكِّنهم من اختيار المنتج الأنسب لهم سواءً من حيث الجودة أم من حيث السعر، الأمر الذي عمل على تحسين وتطوير الخدمات التجاريّة للسلع الضرورية، وتخفيض الأسعار لغايات المنافسة، أمّا السلبيَّات فتتمحور في طغيان الفكر الاستهلاكيِّ على الأفراد، مما أدَّى إلى عدم قناعة الناس بما لديهم، وتشوُّه مفهوم وتعريف ومعنى السعادة في أذهانهم؛ فالسعادة صارت مرتبطة بشراء سيارة حديثة، أو هاتف محمول من أفخم طراز، أو فيلا ضخمة حتى لو لم تُستعمل إلا غرفة واحدة منها. في الوقت الذي تكمن فيه السعادة الحقيقية في أمور أخرى لا علاقة لها بحجم المقتنيات، ونفاستها.
الإعلانات المتلفزة في بعض الأوقات تتغوَّل بشكلٍ واضح وصارخ على أموال الأفراد بغير وجه حق؛ من خلال اللّجوء إلى الخداع، والتضليل، والعزف على أوتار العواطف لدى الشعوب المغيَّبة؛ فقد صار تجّار السلع التي ورد ذكرها في بعض النصوص الدينية هم أكثر الناس ثراءً، وصارت مناصرة القضايا الوطنيّة لا تتمّ إلا في أفخم الفنادق، وصارت المؤسَّسات الإسلاميَّة هي الأكثر رواجاً وانتشاراً من غيرها على الرَّغم من أنَّ جوهرها بعيدٌ كل البعد عن الدين، فبمجرد إلصاق عنوان وطنيّ أو دينيّ على أيّ شيء مهما كان هزيلاً، فإنَّه يسمن، ويغنى صاحبه متسلِّقاً على سلالم الكذب والدَّجل.
ما لنا لا نرى المستقبل؟!
الأفراد مغيَّبون عن واقعهم، ومفصولون عن مشاكلهم الحقيقيَّة الجوهريَّة، لهذا فبوصلتهم تائهة، وأفقهم مظلم، وعقولهم متبلِّدة، ومشاعرهم صارت صدئة؛ فقد غابت الإنسانيَّة عن الناس، واستحال الآدميّ وحشاً كاسراً ينتهز الفرصة لينهش لحم أخيه، ومن هنا فإن بداية الخلاص تكون بزيادة الوعي والتركيز على القضايا الجادَّة، ونشر ثقافتي الفن الجميل، والعلم والمعرفة، والتمسُّك بروح الدين وجوهره لا بقشوره، وسعي الأفراد لتطوير أنفسهم حتى لو ساروا عكس التيَّار، فأنبياء الله كلُّهم ساروا عكس التيار؛ لهذا استحقُّوا هذه المكانة العالية الرفيعة في السماء والأرض، ولن نجد وسيلة احسن وأفضل من المنابر الإعلاميّة من أجل نشر هذه الأفكار التنويريَّة المضيئة التي ستجعلنا قادرين على أن نخطَّ طريقنا نحو مستقبل أفضل.