الشهور القمريّة: هي عدّة الشهور التي كانت العرب تتعامل معها قديماً، وإنَّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، وهذهِ الشهور موجودة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وكان العرب في جاهليّتهم الصمّاء البهماء يتلاعبون بالأشهر فيقدّمونها ويؤخّرونها كما يشاؤون، والهدف من ذلك أن ينؤوا بأنفسهم عن الأشهر المحرّمة ليُحلّوا فيها القتال عاماً، ويحرّموا هذهِ الشهور أعواماً تالية، وقدّ ذمّهم الله على هذا الأمر الذي يُدعى النسيء، والمقصود بالنسيء التأخير عن الوقت، وعدَّ الله ذلكَ زيادةً في الكُفر.
ويعدّ شهر رمضان المبارك من الشهور القمريّة التي جعل الله فيها عبادةً عظيمة ورُكناً عظيماً من أركانه، ويأتي هذا الشهرُ الكريم بين شهري شعبان وشوّال، وقد شرَع الله في هذا الشهر الصيام من أوّل طلوع الفجر وحتّى غروب الشمس، ويكون ذلك بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع تعبّداً لله بأمرٍ قد افترضه علينا ونحنُ نتقرّب إلى الله حبّاً فيما افترضه وشرَعَه.
اسم شهر رمضان قديماً
رمضان كلمة مُشتقّة من الرمضاء، وهي شدّة الحرارة، ومن أسماء شهر رمضان قديماً ناتق، وكلمة نَتَقَ تعني حرّك الشيء من مكانه ونزعهُ. وكلمة ناتق هي اسمٌ قديم لشهر رمضان المُبارك، وقد سُحِبَ هذا الاسم ولم يَعُد دارجاً على ألسنة الناس، وحلّ مكانهُ الاسم الذي نستخدمهُ الآن وهو شهر رمضان.
ومن الأمور التي شرّفَ الله بها هذا الشهر بالإضافة إلى فرض الصيام فيه، هو تنزيل القرآن الكريم فيه؛ فشهرُ رمضان هو شهر القرآن، وقد قال الله عزَّ وجلّ عن هذا الشهر في الكتاب العزيز : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، ويكون الصيام خلال أيّام الشهر التي تتحدّد بظهور الهلال الّذي نصوم حين رؤيته ونُفطر حين رؤيته، وبنزول القرآن في هذا الشهر كانَ فضلاً على المسلم أن يقرأ القرآن فيه أكثر ممّا كان يقرأ في سابق عهده، ويا حبّذا لو قرأ القرآن كاملاً في هذا الشهر الّذي فيه الرحمات والبركات.
وفي شهر رمضان أو شهر ناتق كما كان يُدعى سابقاً ليلةٌ هي من خير ليالي العمر، وهي ليلة القدر، وهذهِ الليلة عظيمة الأهميّة، جعلَ الله فيها ساعة استجابة الدعاء، وجعَلَ فيها السكينة والرّحمة، وهي خيرٌ من ألف شهر، ويكون موعد هذهِ الليلة في أحد الليالي الفرديّة من العشر الأواخر من رمضان المُبارك أو شهر ناتق كما كان يُدعى سابقاً.