قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
هذا ما قاله الشاعر أحمد شوقي عن المعلم، فقد علم الشاعر الدرجة السامية التي وصل لها المعلم وشبه رسالته بالرسل التي أتت رحمةً للبشرية جمعاء، المعلم ذلك الإنسان البسيط الذي يحمل رسالته بين كتبه وأفكاره التي كتبتها سنين الشقاء والتعب، ليبلغها إلى أجيال السنوات القادمة بكل صدقٍ وأمانة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
من كلام النبي عليه الصلاة والسلام نستدل بأن المعلم يحمل أمانةً كبيرةً على عنقه، وهي تأديه واجب توريث العلم، فهو البنّاء الذي يضع حجر الأساس في شخصية الفرد، ويصقل بناءه كالنحات الذي يحول الحجر إلى قطعة فنيه.
كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السماوات وَالْأَرَضِينَ، حتى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ، لَيُصَلُّونَ على مُعَلِّمِ الناس الْخَيْرَ). والمقصود بالصلاة هنا هي الدعاء.
فيا للمنزلة الرفيعة التي وصل إليها المعلم بالإسلام لتقوم الملائكة والمخلوقات بالدعاء له، ولما لا؟ وعلمه ينتقل من إنسان إلى آخر، فالطبيب لا ينجح بعمله إلا إذا تعلّم الطب والعلوم على يدي معلم، وكم من أرواح ينقذها ومرضى يشفي علتهم، وكل هذا حسناتٍ توضع في ميزان المعلم، ولا تنقطع عنه حتى لو غاب عن هذه الدنيا الفانية، فكما قال الرسول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). والعلم الجاري هو العلم الذي ينقله المعلم إلى طلابه والذي بدورهم ينقلوه إلى كافة المجتمع بطريقة أو بأخرى.
لاقى دور المعلم اهتماماً كبيراً في التاريخ القديم فكان المعلمين والعلماء يحظون بمكانة كبيرةٍ عند السلاطين والملوك، وخاصّة خلال فترة الحكم العثماني للدولة الإسلاميّة، فكان الملك يستشيرهم في أمور الدولة، والحرب، ونقاط النهوض بالأمة، وأما بالعصر الحديث فوصلت قيمة المعلم عند بعض الدول إلى أكبر المنازل، ففي الصين يُعطى المعلم حصانة دبلوماسيّ وراتب وزير، حتى لا يقلل الناس من أهمية وفائدة هذا الشخص وقيمته لدى الدولة، فالدولة تنهض بعلمائها وعباقرتها قبل قوتها العسكرية والاقتصادية، وهي تدرك بأن الأموال والتطور لا يأتي إلا عن طريق أشخاص رُسخت قيم العلم في بنيانهم، والمعلم هو الشخص الوحيد القادر على غرس هذه الخصال في نفوس الطلاب.