التّسامح
خلق الله الناس بطباعٍَ مختلفةٍ وشخصيّاتٍ متنوعة، وبالتالي قد تجد القاسي ولين الطباع، والحليم والمتشدد وغيرهم، ولمّا كان الناس جزءاً من حياة بعضهم، بصفة أنّ الإنسان اجتماعيٌّ بالفطرة لا يستطيع العيش بمفرده فلا بدّ لهم أن يتواجهوا ويتفاعلوا ضمن علاقاتٍ اجتماعيةٍ، وقد يتعاملون بأسلوبٍ قاسٍ أو جارح، بشكلٍ يعكس طبيعتهم وطريقة نشأتهم، ولا بدّ للإنسان من الاتّصاف بالأخلاق الحميدة، والعفو عن أخطاء الناس فيما يُعرف بالتسامح، وهو من الفضائل الإنسانيّة والأخلاق الحميدة التي يُثني عليها الجميع، بما تشمله من طاقةٍ إيجابيّةٍ حتى بحق أولئك الذين أساؤوا، ونسيان الألم والعذاب النفسيّ الذي نجم عن هذه الإساءة، كما أنّه الشعور بالعطف على الآخرين، ورحمتهم وعدم مقابلة الإساءة إلا بالإحسان، والتماس الأعذار لهم يدلّ على عظمة الشخصيّة، فالوضع الطبيعي عند الإنسان في أغلب الأحيان أن ينتقم لنفسه، وأن يغضب وأن ينفعل عندما يضايقه أو يظلمه أحد، لكن المتسامح هو شخصٌ أراد من الله الثواب، وأدرك أنّ الناس بشرٌ مثله يخطئون فعفا عنهم، وتوضح هذا الكلام العبارة الشهيرة "الضعيف لا يمكن أن يسامح، فالتسامح من صفات الأقوياء".
أهمية وفائدة التسامح
ويُعتبر التسامح مطلوباً أكثر في مجتمعاتٍ تتميّز باختلاط أجناسها وتعدّد أديانها، فهي في هذا الوضع أكثر المجتمعات حاجةً للتسامح والغفران، والذي ينبذ العنصريّة، ويدل على اتساع أفق فكر الإنسان ورحابة صدره، فالمختلف عنه ليس بالضرورة غريباً أو غبياً، أو مدعاةً للسخرية، أو أن يكرهه الناس من اللحظة الأولى، فخُلُقُ الاحترام مطلوبٌ في كل الديانات السماوية، ودعا إليه كل الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما أنّ العنصري يضيع على نفسه فرصة التعرّف على مزاياهم الجميلة، والتي قد تغيّر الكثير في حياته، وينعكس التسامح على الفرد بحالةٍ نفسيةٍ صحيةٍ لا تعرف الحقد أو الغضب أو العنف، ممّا يعود على المجتمع بالخير من خلال تماسكه وتجنيبه لكافة أشكال الدمار والحروب والصراعات والاضطرابات التي قد تفتك بأفراده.
ومما يجدر ذكره أنّ للتربية دورٌ مهمٌ في إنتاج أشخاصٍ متسامحين، فالأهل الذين حرصوا على زرع أفكارٍ عنصريّةٍ وحاقدةٍ في نفوس أبنائهم من الصغر لن يحصدوا إلا أشخاصاً مريضين في شخصيّاتهم وقلوبهم وسلوكيّاتهم، وبالتالي يلحقون الأذى بمن حولهم، أمّا الأهل الذين ربّوا أبناءهم على الاحترام والأخلاق وفعل الخير ونسيان السيء ممّا مر بحياتهم لا بدّ أنهم سيحصدون جيلاً واعياً، يبني المجتمع ويقويه، ويطوّره ولا يلتفت إلى العيوب وإساءة من حوله، ويتجاوزها بسهولة.