طرقت فتاة في منتصف الليل باب أحد البيوت في المدينة و بدا عليها الهلع و الخوف و هرع ساكن البيت إلى الباب مسرعا فمن يأتيه في هذا الوقت المتأخّر من الليل ، فتح الباب فإذا به يرى فتاة في مقتبل العمر فائقة الجمال ، الخوف و القلق باديٌ على وجهها ، قالت له أدخلني بيتك يرحمك الله ، أدخلها بيته وأجلسها و صنع لها كوباً من الحليب الساخن ليهدّىء روعها ، حكت له قصتها و كيف أنّها تناوب في أحد المستشفيات و اضطرت للخروج مبكراً بسبب اتصال من أهلها بضرورة حضورها للبيت ، ركبت سيارة الأجرة فإذا سائقها يبتزّها و يراودها عن نفسها أبت و أصرت عليه أن ينزلها من السيارة ليضعها القدر أمام بيت هذا الشاب ، قالت في نفسها الوقت متأخر الآن وعسى الله أن يكرمني ببيت أهله كرام يستضيفونني هذه الليلة حتى يطلع الصباح ، طمأنها الشاب و أخلى لها غرفته و طلب منها أن تستريح و تنام في فراشه ، في هذه الأثناء و طوال الليل و الشيطان يوسوس له حتى يرواد الفتاة عن نفسها ، يتألم أحيانا و يشغل نفسه بالصلاة و قراءة القرآن أحيانا اخرى ، حتى إذا زادت نار الشهوة في نفسه أوقد شمعة و قرّب يده من نارها و خاطب نفسه أتصبري على نار جهنم يا أيّتها النفس الأمارة بالسّوء ، طلع الصباح و غادرت الفتاة و حفظ الشاب دينه و نفسه من الوقوع في المعاصي والذي حفظه هو الإيمان و التقوى في قلبه ، فهذا مثال عمليّ على التقوى فهي مشاعر الخوف و الخشية في قلب هذا الشاب التي منعته من ارتكاب المعصية ..
و التقوى كما وصفها سيدنا علي ابن أبي طالب بكلمات وعبارات موجزة معبّرة بليغة " هي الخوف من الجليل و العمل بالتنزيل و الرضا بالقليل و الاستعداد ليوم الرحيل " ، فالإنسان التّقي هو الذي يخشى الله تعالى في أحواله كلها ، و يستشعر مراقبة الله له في أفعاله و أقواله فلا يأتي بما يغضب الرحمن جلّ و علا خوفا من ناره و طمعا في جنّته ، فالمسلم الصالح يخشى الله و لايخشى الناس في الله ، و الإنسان التّقي متمسك بدين الله و كتابه العزيز فهو حريص على التزام أوامره و اجتناب نواهيه يأخذ بما أحل الله و يجتنب ما حرّمه ، و هو كذلك راض بما قسمه الله له من رزق فلا يطمع فيما عند أخيه ، قد أعدّ نفسه للرحيل من هذه الدنيا فتزوّد للآخرة و لم ينس نصيبه من الدنيا ، الدنيا عنده ممر و ليست بالمستقر ، و قد أعدّ الله لعباده المتقين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لاخطر على قلب بشر ، قال تعالى : " ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ، الذين آمنوا و كانو يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة ، لا تبديل لكلمات وعبارات الله ، ذلك هو الفوز العظيم " صدق الله العظيم .