الحمدُ للهِ الذي لم يزل علياً قديراً سبحانه - جلَّ في عُلاه - بعباده عليماً خبيراً وما مِن شيءٍ في الأرضِ ولا في السماءِ إلا كان له سميعاً بصيراً، أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً مُنيراً، فعلمَّ صلى الله عليه وسلم أصحابه دينَ اللهِ فأصبح كلَّ واحدٍ منهم للإسلام سفيراً.
أما بعد ;
فتوحيد الربوبية هو : إفراد الله تبارك وتعالى بأفعاله كالخلق والمُلك والإماتة والرزق والتدبير في الكون وغير ذلك من الأفعال والصفات التي لا يشارك الله تبارك وتعالى فيها أحد .
وهو توحيدٌ أقرَّ به بعض أقوام الأنبياء ، وكفر به بعضهم ، وإقرار بعضهم به دون الإقرار بتوحيد الألوهية معه لا يُنجي صاحبه من النار، ويبقى في عِداد الكفار ما لم يُقرَّ معه بتوحيد الألوهية .
وممن كفر بهذا النوع من التوحيد على سبيل المثال - لا الحصر - النمرود فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى : ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) (سورة البقرة 258) فلقد كفر النمرود - بتوحيد الربوبية - الذي يقود إلى توحيد الألوهية !! فإن الإقرار بتوحيد الربوبية بأن الله هو الخالق المالك المحيي المميت المُدَّبر يستلزم ويستوجب أن ينقاد المُقِرُّ به إلى توحيد الألوهية - بعبادة الله وحده - !!
ولكن قد يُؤمن ويُقِرُّ بتوحيد الربوبية بعض الكفرة - كمشركي قُريش - فبعض مشركي قريش - رغم شركهم - إلا أنَّهم كانوا موحدين في الربوبية !! ولكنهم قد وقع منهم الشرك بتوحيد الألوهية لا بتوحيدَ الربوبية - بمعنى - : أنهم مشركون في - توحيد الألوهية - وموحدون في - توحيد الربوبية - والدليل على ذلك قوله تعالى : ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)) (سورة العنْكبوت 61)
وقوله تعالى : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )) (سورة العنْكبوت 63)
وقوله تعالى : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )) (سورة لقمان 25)
وقوله تعالى : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ )) (سورة الزخرف 9)
فهم مع كونهم مؤمنين مُقرِّين بتوحيد الربوبية لله جلَّ وعلا وأنه الخالق الرازق المُحيي المُميت المالك إلا أنَّهم لم يعبدوا الله وحده لا شريك له !! فكانوا يُشركون في عبادة الله غيره بالرغم من إقرارهم وإيمانهم بأنَّ الله وحده مَن خلق ورزق وأمات وأحيا وملك !!
فالخلاصة : أنَّ توحيد الربوبية لا يُنجي صاحبه من النار ما لم يجمع المُقِرُّ به معه توحيد الألوهية، لأنَّ توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهيةِ ويُوجِبُهُ .
لذلك كان مِن أعظم الظلمِ والإثمِ صرفُ الإنسانِ شيئاً من عبادتِهِ لغير الله، وهو يعلم أنَّه - جلَّ وعلا - الخالقُ الرازقُ المحيي المميتُ المدَّبرُ المالك !!
