نشأة الخوارج
لقد عرّف أهل العلم الخوارج بالعديد من التعريفات منها أنّ الخوارج مسمّى للطائفة التي خرجت عن حكم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبيّنوا أن خروجهم عليه هو السبب في تسميتهم بهذا الاسم، فالخوارج هم الطائفة التي خرجت على عليٍّ رضي الله عنه بعد قبوله التحكيم في حادثة صفين.
للخوارج العديد من المسميات والألقاب الأخرى عرفوا بها غير مسمّى الخوارج، ومن تلك المسميات والألقاب الشراة والمحكمة والمارقة والحرورية وهم يتقبلون هذه الألقاب والمسميات كلّها إلّا لقب المارقة؛ فإنهم ينكرون هذا الوصف أو أنهم مارقين على الدين كما يمرق النبل من القوس، ومن العلماء من يرجع بداية نشأة الخوارج وتشكّلهم إلى زمن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذا يجعل أوّل الخوارج ذا الخويصرة والذي قام بالاعتراض على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إحدى الغزوات معترضاً على قسمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للفيء، وأنّه لم يعدل -حاشاه- في قسمتها.
ورغم أن هناك ارتباطا وثيقاً بين ذي الخويصرة والطائفة التي خرجت على الصحابي عثمان رضي الله عنه وبين من خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسبب تحكيمه فإنّ مفهوم وتعريف ومعنى الخوارج بالمعنى الأدق لهذه الكلمة لا يحق إصداره إلّا على الخارجين بسبب التحكيم؛ بحكم أنهم طائفة لها اتجاهاتها السياسية ووجهة نظر مستقلّة، قامت بإحداث تأثير ونتائج فكري واضح.
معاملة علي للخوارج
لقد عامل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه طائفة الخوارج قبل الحرب عليهم، وبعدها معاملة المسلمين ولم يميزهم ولم يظلمهم أبداً، فما إن كانت المعركة في نهايتها حتى قام بإصدار أوامره لقيادة الجيش ولجنده ألاّ يلاحقوا هارباً أو يعذبوا جريحاً أو يقتلوه أو يقوموا بتشويه الجثث.
مكان الخوارج
الخوارج هي طائفة كبيرة وهي من أصول الفرق الاعتقادية، وقد قاموا ببسط نفوذهم السياسي والاقتصادي في عدة أماكن مثل عمان، وحضرموت، وزنجبار وما يجاورها من الأقاليم والدول الإفريقية وخاصة في منطقة المغرب العربي، ولا يزالون موجودين ولهم ثقافة دينية تتمثل في مذهب الإباضية المنتشر بشكل كبير في تلك المناطق حتى اليوم.
كتب الخوارج
وأمّا لما كتب الخوارج من كتب فهي غير متواجدة وقد تكون في عداد المفقودة ونادرة الوجود إذا ما تم استثناء الإباضية منهم، وأكثر ما يتم الرجوع له في موضوع الخوارج قد سطّره العلماء من أهل السنة والكتاب عنهم، لعدّة احتمالات منها أنّ هؤلاء العلماء قد عثروا على كتب تخص الخوارج وهي لم تصل وما قد وصل إلينا من كتب الثقافة الإباضية تدل على مصداقية أولئك العلماء في نقلهم لمذهب وأخبار الخوارج.
أوقات خروج الخوارج
هناك اختلاف بين المؤرخون وعلماء الفرق في تحديد بداية نشأتهم:
- أنهم ظهروا في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- وهناك من العلماء من يقول أنّ نشأتهم الحقيقية في عهد عثمان رضي الله عنه.
- والقول الراجح بأنّ نشأتهم كانت في عهد الخليفة الراشد علي رضي الله عنه بعد قبوله للتحكيم في واقعة صفين، كما يدعي بعض من علماء الإباضية.
- ويقال أنه في وقت خروج الخوارج من المحكمة وخروجهم عن جيشه كتعرف ما هو الراجح عند العلماء.
- وقيل أنهم ظهروا في عهد حكم نافع بن الأزرق في بداية سنة 64هـ.
عدد فرق الخوارج
إن من رحمة الله بالمسلمين أنّه قد فرّق الخوارج، وأنهم لو كانوا قد اتحدوا لكانوا قد شكّلوا أكبر خطرٍ على المسلمين، والخوارج كانوا دائماً ما يختلفون ويتقاتلون لأتفه الأمور وعلى إثر ذلك فقد تفرقوا فرقاً كثيرة، أما أعدادهم فالروايات مختلفة؛ فنجد من يقول أن عدد فرق الخوارج أربع فرق، وغيره يقوم غلى إرجاعها إلى خمساً، وبعضهم يقول أنها ثمانية فرق، وبعضهم سبعة فرق، وآخرون يقولون أنها خمسة وعشرين، وقد تصل إلى بعض الروايات أكثر من ثلاثين فرقة، والواقع يظهر أنه من الصعب حصر عدد فرق الخوارج، والما هى اسباب الحقيقية في ذلك يعود إلى:
الثورة والخوارج
ليس هناك فرقة أو مذهب من فرق الإسلام سلكت إلى طريق الثورة كما سلكه الخوارج، حتى صارت الثورات التي يقومون بها أشبه بالثورة الحاصلة في كل زمان والقائمة في كل مكان، وكانت ضد الأمويين وضد الخليفة الراشد علي بني أبي طالب رضي الله عنه منذ قبوله التحكيم وحتى انتهاء عهده عام 40هـ. وعلى طريق ثورتهم التي كانت مستمرة كانت حربهم متسمة بالاستبسال في الوصول إلى الهدف ونشر المبدأ في كل أرجاء الدولة الإسلامية.
كانت بداية الثورة معركة النهروان والتي قاتلوا فيها جيش الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه والتي هُزموا فيها وبعد هذه الواقعة بشهرين تجددت المعارك فقاتل الخوارج جيش الخليفة الراشد علي بن أبي طالب مرة أخرى في منطقة الدسكرة الموجودة في أرض خراسان في عام 38هـ، وكان قائدهم أشرس بن عوف الشيباني.
وبعدها بشهر من هزيمة الدسكرة قام الخوارج بتجديد ثورتهم وكانت القيادة لهلال بن علفة وأخيه مجالد فحاربوا جيش الخليفة الراشد عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه للمرة الثالثة عند منطقة ماسبذان في أرض فارس في عام 38هـ، وبعد هزيمة ماسبذان قد قام الأشهب بن بشر البجلي بمسك شارة القيادة في خروج آخر في نفس السنة، فقاتلوا في منطقة جرجرايا الموجود على نهر دجلة، وفي شهر رمضان سنة 38هـ قد زحفوا مع القائد أبي مريم -من بني سعد تميم- إلى بوابات الكوفة، فحاربوا جيش الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد خسروا هذه المعركة أيضاً، وبعد قتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب وتنازل ابنه الحسن عن الخلافة لمعاوية ، بدأت حرب الخوارج من جديد لأهل الشام، وفي حينها كان بإمكان الخوارج هزيمة جيش معاوية في أول لقاءاتهم ، ولكنه استعان عليهم بأهل الكوفة لينصروه وقد خسر الخوارج كما في سابق معاركهم، وفي عام 41هـ قام سهم بن غالب التميمي والخطيم الباهلي بتمردٍ داخلي ضد بني أمية واستمر حتى تم القضاء عليه من قبل زياد بن أبيه قرب مدينة البصرة عام 46هـ، أي بعد خمس سنوات من بداية التمرد.
ولم تتوقف ثورات الخوارج ضد الأمويين، ففي آخر شهر شوال من عام 64هـ، بدأت ثورتهم التي تعد أكبر ثورة للخوارج بقيادة نافع بن الأزرق، وهي قامت بكسر بوابات السجون في مدينة البصرة، ثم خرجوا من السجن وطالبوا بمنطقة الأهواز، وختاماً فإن من الجدير بالذكر أن كل هذه الثورات الخارجية وإن لم تكلل بالنجاح في إقامة دولة يحكمها الخوارج وتكون مستقرة إلا أنها قد أثرت على الدولة الأموية وأصابتها بالضعف حتى تم سقوطها السريع تحت ضربات المعارك العباسية في عام 132هـ.