يسيطر هاجس الغيب و ما ينتظر الإنسان في المستقبل من أمورٍ عقول النّاس و مخيّلتهم ، فقد سعى الإنسان قديماً جاهداً لفكّ طلاسم المستقبل دون جدوى ، و قد كان النّاس في الجاهليّة في ضلالٍ مبينٍ يسعون إلى الكهنة لمعرفة الغيب ، فجاء الإسلام ليبطل تلك العقائد و الأفعال الفاسدة و ليؤكّد أنّ علم الغيب هو عند الله سبحانه و تعالى ، و بيّن النّبي صلّى الله عليه و سلّم أنّ الكهانة هي من أمور الجاهليّة و أنّ الشّياطين كانت تسترق السّمع على الملأ الأعلى حين يكتبون مقادير الخلق ، فأمر الله سبحانه الشّهب و النيازك بترصد تلك الشّياطين العابثة و استهدافها بسهام الحقّ ، فنحن نرى كثيراً و نحن جالسين نتأمّل في السّماء و الكون شهباً تتقاذف من حينٍ إلى حين بأمر ربّها ، و قد بيّن النّبي الكريم عليه الصّلاة و السّلام أنّ ما يخبره الكهنة من أمور الغيب إنّتعرف على ما هى من الشّياطين الذين يسترقون السّمع فيلتقطون خبراً واحداً يقذفونه في أذن وليّهم من الإنس ليقوم بتأليف أخبارٍ بناء على هذا الخبر الواحد فيفترون الكذب و الباطل ، و قد نهى النّبي الكريم عن إتيان الكهنة و المنجّمين و بيّن بأنّ من أتى عرافاً فصدّقه بما يقول لم تقبل منه صلاة أربعين ليلة أو في روايةٍ فقد كفر بما أنزله الله على رسوله .
و قد بيّن الله سبحانه و تعالى مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا هو ، و أطلق الرّحمن صفة المفاتيح عليها تشبيهاً لها بالكنز الدّفين و المحفوظ في صندوق و لا يفتح إلا بمفاتيح خاصّةٍ لا يملكها إلا الله سبحانه ، و مفاتيح الغيب كما بيّنتها الآية الكريمة و أجملتها هي خمس مفاتيح أوّلها علم السّاعة التي لا يعلم وقت حدوثها إلا الله سبحانه و إن كان لها علاماتٍ و أماراتٍ تدلّ على اقترابها ، و كذلك من مفاتيح الغيب علم الله سبحانه بنزول الغيث و تقدير وقت نزوله و كذلك علم الله بما في الأرحام و علم رزق المولود و أجله و شقيٌ أو سعيدٌ ، و يستأثر الله سبحانه بعلم حال الإنسان و ماذا يكسب في حياته و علمه بموعد موته و انتهاء حياته ، فسبحان الله الواحد الأحد علاّم الغيوب .
