لا يستطيع الإنسان الولوج عبر بابٍ من أبواب الدّنيا من دون أن يمتلك المفتاح الخاصّ به، وكذلك هي الجنّة التي وعد الله تعالى بها عباده المتّقون، فقد ثبت عن النّبي صلّى الله عليه وسلم بأنّ للجنّة ثمانية أبواب يدخل منها أصحابها، فهناك باب الرّيان حيث يدخل الصّائمون، وهناك باب الصّدقة حيث يدخل المتصدّقون المنفقون، وكذلك بقيّة الأبواب، ولكن هناك مفتاح رئيسي للجنّة يعتبر أباً لتلك المفاتيح، وهو مفتاح التّوحيد وهي عبارة لا إله إلا الله، ومعناها توحيد الله تعالى توحيدًا خالصًا من أيّ شركٍ في القول أو العمل أو الاعتقاد، وقد سأل وهب بن منه يومًا عن هذا المفتاح، وقد كان من أحبار اليهود حيث قرأ التّوراة، فقال إنّ لكلّ مفتاحٍ أسنان وبدونها لا تكتمل صورته ولا تؤدّى وظيفته، وهذا يعني أنّ شهادة التّوحيد يجب أن يلحق بها العمل الصّالح والتزام ما أمر الله تعالى به واجتناب ما نهى عنه.
ولو تدبّرنا في أمور الحياة لوجدنا كثيرًا من الأبواب يكون لها مفتاحٌ خاصٌّ بها، فمفتاح البرّ الصّدق، ومفتاح التّوبة الاستغفار والإنابة، ومفتاح النّار الضّلال، ومفتاح النّصر الثّبات والصّبر، فكيف يظفر الإنسان بمفتاح التّوحيد والجنّة؟
يظفر الإنسان بمفتاح التّوحيد والجنّة حين يطبّق التّوحيد حقيقةً في قوله وعمله واعتقاده، وقد بيّن الله تعالى في محكم التّنزيل أنّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك من الذّنوب والمعاصي، وفي الحديث القدسي عن ربّ العزّة، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا وأتيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة؛ فالشّرك بالله تعالى هو من كبائر الذّنوب، بل هو أشدّها، لذلك كان من كمال دين الإنسان أن يكون صحيح الاعتقاد بعيدًا عن الأعمال الشّركيّة مثل الاستغاثة بالأولياء، والتّبرك بالقبور، وغير ذلك من الأعمال التي تقدح التّوحيد وتشوّه صورته.
كما قد يكون في عمل المسلم شيئًا من الشّرك ويسمّى الشّرك الخفيّ وهو الرّياء؛ حيث يقوم الإنسان في عبادته وهو يراعي نظر النّاس إليه، فالأصل بالمسلم أن يكون عمله خالصًا لوجه الله تعالى ولا يبتغي فيه إلّا وجه الله تعالى؛ فحين يدعو لا يدعو إلا الله، وحين يناجي لا يناجي إلا الله وأن يعلم بأنّ تعالى قريبٌ من عباده يستجيب دعوة الدّاعي إذا دعاه صادقًا من قلبه من دون واسطةٍ من بشر أو حجر، جعلنا الله تعالى جميعًا من الموحّدين المخلصين.