شعر المدح
يعتبر المدح أحد أنواع الشّعر العربي القديم، وهو أسلوب لاستمالة قلوب الملوك والحُكّام والسّلاطين، واشتهر المتنبّي بقصائده المدحيّة لسيف الدولة. في مقالي هذا أضع بعض أشعار وقصائد المدح.
اجمل وافضل شعر مدح
- يا شيخ أنا جيتك على الفطّر الشّيب
قزان من دار المحبّين دباب
دبا عليّ ودب منّي بتقريب
قل المواشي يا ذرا كل من هاب
من دارنا جينا لدارك مغاريب
يموم نجم لا تغيّر ولا غاب
متخيّرك يا منقع الجود والطّيب
لا خيب الله للأجاويد طلاّب
سلام من قلب محب بلا ريب
له يستتاب الشّاب ويشبّ من شاب
يا لجوهر الناريز يا لعطر يا لطيب
يا لصعل يا لصهال يا حصان إلّا طلاب
يا لزير يا لزحار يا لنمر يا لذيب
يا لليث يا للأيوث يا لشبل يا لداب
يا الضّاري الضّرغام عطب المضاريب
يا لفرز يا مفراض ضّده والأجناب
يا النّادر الهليع عقاب المراقيب
يا نافل جيله بعيدين وأقراب
نطاح طابور العساكر إلى هيب
ستر العذاري لي غشى الزّمل ضبضاب
عيبك إلى من قالوا النّاس بك عيب
بالسّيف لأرقاب المناعير قصاب
وعيبك إلى من قالوا النّاس بك عيب
للسّمن فوق مفطح الحيل صباب
وذبح الغنم والكوم حرش العراقيب
وعطا المهار وبذل مال بلا حساب
وبك شارةِ كبّ الفراد المحانيب
وبذل الطّعام وللتّنافيل كسّاب
نمراً تجرده للعدا والأجانيب
تفجا بها غرات ضدّك بالأسباب
ومن عقب ذا بالعون ما بك عذاريب
أحلى من السّكر على كبد شرّاب
جيناك فوق الهجن شيب المحاقيب
لمشاهدك يا شوق وضّاح الانياب
الحرّ يضرب بالكهوف المعاطيب
والتّبع قنّاصه من الصّيد ما جاب
وأنت الذي تافي بكل المواجيب
كنك هديب الشّام بالحمل عتّاب
تثني لأبو صلفيق ما به تكاذيب
شيخ الصخا معطى طويلات الأرقاب
يا ما عطيت اللّي يجونك طلاليب
كم واحدِ جا لك من الوقت منصاب
وفرجت همه في كبار المواهيب
من عليم يزمي كما يزمي الزّاب
عزّ الله أنك طيب وتفعل الطّيب
والطّيب يجني منك يا زاكي الأنساب
- قبائيلٍ تسكن بشبه الجزيرة
جزيرةٍ تبهر عريضه كبيرة
والكل منهم له منازل وديرة
من ساحل الأحمر ليا ساحل عمان
- منهم عتيبة نعم والله عتيبة
قبيلةٍ بين القبايل عريبة
أمجادهم تعرف ولا هي غريبو
ليا حل طار المجد يطرون عتبان
- ومنهم بني الحارث هل المذهب الزّين
كسابة القالو على العسر واللين
تاريخهم معروف ما هم غبيين
والنعم يابن الحارث طيور حوران
- ومنهم سبيع ونعم بسبيع دايم
تاريخهم يشهد لتهم في القدايم
نقول حقّ ولا نحب الظّلايم
يستاهلون المدح والنعم سبعان
- غامد ونعم بغامد أهل الشكاله
قيف شجيع كاملات خصاله
الطيب فيهم والكرم والبسالة
إلاّ وفي وقت المحاضير شجعان
- قحطان ساس الأصل نعم القبيلة
أفعالهم من غيرهم مستحيلة
بالطّيب عدو كل عيطاء طويلة
والنّعم والله يا صناديد قحطان
- والنّعم بالأشراف نسل الصّحابة
الدّين فيهم والسّخاء واللّبابة
والعرف والمعروف شدوا ركابه
والنّصح والإرشاد عن كل عصيان
- وأولاد وائل نعم والله قبيلة
أهل الفعايل والعموق الأصيلة
منهم ملوك يكسبون النّفيلة
اسم عنزه في قمة المجد عنوان
- شمّر ليا عدت فعول النّحايا
والنّعم والله يا رجال الطّنايا
حماية القالة سهوم المنايا
نقولها في حقّهم سرّ وإعلان
- والنّعم للعجمان ما فيه معروف
قول وفعل ما تنفع نقاط وحروف
مجدٍ تعلّا كنّه سهيل مشيوف
دليلنا في مدحهم فعل راكان
مطير حمران النّواظر هل الجود
تاريخهم من قبل واضح ومعدود
مجدٍ مثبتة براهين وشهود
ما ينجحد مجد وأهاليه مطران
- ونعمٍ بحرب ليا طرا طاري الأمداح
أهل المواقف كل ما صاح صياح
حرابهم بالنّوم ماهوب يرتاح
من ضيمهم ما يمرح اللّيل سهران
سليم أهل مجد مسجل بالأسطار
ذربين أهل قاله وبالعرف شعار
وأظن هرج الصّدق ما يقبل إنكار
أخذ الأدب والعرف من روس سِلمان
وجمع الدّواسر ما بهم قول قايل
دوسر جمل يشتال كل الثّقايل
باسمه تسموا والفعايل دلايل
غدران موت ما تحلّى بغدران
بني تميم اللّي فخرهم مقيمي
ودليلنا قول ابن صقيه التّميمي
يدري بهم من كان قلبه فهيمي
أخبارهم شاعت لحضر وبدوان
وأيضاً بني خالد عذاب العنيدي
جو من سلالة خالد بن الوليدي
قول محقق مانقول السّريدي
نقرأ ونبحث لين ندري بما كان
زهران جن الحرب يوم الحرايب
اللّي طعنهم يودّع الدّم رايب
هبت لهم من كل طيب هبايب
والنّعم والله يا رجاجيل زهران
عسير عسرين على كل طمّاع
سباعٍ تعشي سباع الأقذال بسباع
السيف بيديهم مخلد ومطواع
ورماه ليا رد النّظر لام نيشان
شهران مشهورين والجد شاهر
الكل منهم فالمهمات ماهر
طيب ليا عدوا هل الطّيب ظاهر
معروف ما يطويه بعد ونسيان
بالقرن قرن الموت شرابة الدم
حرابهم يسقونه الصّبر والسّم
في رؤسهم شيمة وعادات ولزم
ما ينحصي تعريفهم عبر قيفان
وأيضاً بني مالك ذكرنا فخرهم
الطّيب طوع يد ينهم ما عسرهم
ليا ماجت أمواج البحر من بحرهم
بحر يكز الموج من غير جيلان
والنّعم بالأحمر على كل حالي
في كل صعبات اللوازم رجالي
شوامخ ما هم بجرف هيالي
كسبان يا حايز على المدح كسبان
شمران ليا شمر عن السّاعد الثوب
حرابهم يقفي مذلل ومرعوب
كم كدروا يوم الكدر كل مشروب
يأهل الوفاء محد جحد فعل شمران
والنّعم بالأسمر ليا حل طاري
شمعة فخرهم ما ذرتها الذواري
يروون صفحات القنا والشّباري
ويوردون السّيف لا صار عطشان
وصبيان يام أهل العموق العريقة
ستر الظعن يوم الأيادي طليقة
ما تختفي عن عين عاقل حقيقة
يام الحرايب يوم سوقات الأظعان
والنّعم والله في رجال الشّرارت
الطّيب له فيهم مواري وأمارات
أهل المراجل يوم الأيام عسرات
الكل منهم يجلب الرّوح قربان
- أيضاً بني هاجر كفوف الأسودي
يثبت لهم في كل علياء وجودي
قول عليه الفعل الأبيض شهودي
والصدق قايد للمعاني وقبطان
ونذكر بلي بلواء على كل عاصي
ليا جاء نهار فيه شيب النّواصي
رجالهم ينطح خشوم الرّصاصي
ليا طار ستر الوجه عن دعج الأعيان
وأيضاً جهينه عزوة باسهم باس
نطاحة الغارة على قب الأفراس
أمجادهم من يوم خلقوا على ساس
بيت جويد ما نخلع فيه بيبان
وأيضاً السّهول لهم مواقف وتشجيع
يطوعون الضد لازام تطويع
ويقال عنهم إنهم حلف لسبيع
ذولاً وذولاً نعم وافين الأفنان
وأيضاً الظّفير أهل الظّفر والمدايح
يوم الثميدي مثل وبل الرّوايح
أرجال ما فيهم غموز وقدايح
منهم زبون أهل لمقاصير نومان
وسفيان من قبل النبوه لهم بيت
صحيح لا أزلّ بكلامي ولا أخطيت
قريت في كتب التواريخ وأوحيت
سفيان سلسلة العريب ابن سفيان
طويرق أهل الشيمة المستديمة
وأهل الوفاء وأهل اليدين الكريمة
للجار عز وللمعادي هزيمة
أقولها ماني براعي تلوان
هذيل أهل غيرة ومذهب وجيرة
وميزاتهم من غير هذا كثيرة
وليا قدح للحرب قادح ذخيرة
تلقى مقاديم الرّياجيل هذلان
قريش مجد قريش كل درابة
قوم الرّسول وقوم بعض الصّحابة
ومجد تعدى الهاشمي وشنبابه
اللّي من قلوب البشر زال الأدران
ثقيف ما يحتاج نذكر فخرهم
ما دام ابن يوسف على طول منهم
يكفيهم الحجّاج مجد شهرهم
بالكتب والتّاريخ في كلّ ديوان
بني رشيد من القبائل يعدون
ليا جت مجالات المواقف يبدون
يبنون بنيان الفخر ما يهدون
واللّي نقدهم ما معه علم بخصان
ونذكر بني مره ونعم آل مرة
للجار عز والمعادي مضرّة
واليوم في نعمة وسرة وقرة
بين الثّلاث اللي خذتهم بالأحضان
أكلب هل الطّالات وأهل النواميس
إمسيسن بدوحة المجد تسيس
كلامنا مابه مجامل وتلبيس
والقول لا سلم الغوى والخطاء زان
- والمعذرة يا واسعين المعرفة
إن غاب عن تفكيري أحد ما عرفه
للشّعر تصريف وللهرج صرفه
ولا ينتجازى النّاسي إلا بغفران
- سلام يا كاسب غلا كل مغليك
يا مالك زمان المراجل بيمانك
الطّيب ساسك والعرب عزها فيك
لا ضاعت علوم الرّجاجيل تنصاك
ربعك تفاخر وتفتخر بطاريك
لا هان ذاك اللّي على الطيب رباك
- الجود شيخ تملكه عدة أطراف
بس المراجل حالفه أنّك ولده
عريب جد وحاوين كل الأعراف
دنياك جنّة بس فعلك رغدها
كن العلوم الطّيبة عندك أهداف
صارت فريسة وأنت كنت أسدها
- والله ماني على مدح الرّياجيل بخيل
خاصه لا جيت أمدح في زحول الرّجال
المشكلة مدحهم حمل لا شلته ثقيل
من ثقلها ما يقدر عليها كبار الجمال
حتّى لو تحاملت على حملها لا بد يميل
مال الجمل حيلة على حمل الأثقال
أجل وش حيله قلم بالقصايد يخيل
في معانيها صدق من مزون الخيال
قصيدة تعرف على ما هى غزل فالطّرف الكحيل
ولا هي عتاب وشكوة حال دون حال
قصيدة مدح في ذاك الشهم الاصيل
اللّي يشهد له فوح الدلال
سلام يا ... يا زحول الرّياجيل
سلام عد ما على الصّحاري من رمال
سلام عد ماهل المطر وسال المسيل
سلام عد ما أشرقت الشّمس وطل الهلال
سلام ياللّي له في قلبي مقر ومقيل
فداك العمر لو أن العمر للفنا والزّوال
قالوا عن حاتم ماله في الكرم مثيل
ومن ذيك العصور تضرب به الأمثال
وأنا أقول هذا حاتم هالجيل
قولوا لهتان الكرم عندنا للكرم زلال
فديت كل حرف من اسمه به خصل نبيل
ويا حيّ الحروف اللّي لها فالقلب منزال
الصّاد صدقك فالكلام من دون تأويل
ويا حيّ الرّجال اللي تثبت أقوالها بافعال
الألف آهاتك عطنياها لو تورّيني الويل
ما همّني غير شوفه بسمتك يا طيب الفال
اللام لومك فالحياة على كل شخص ذليل
عاش في هالدّنيا وتطبع بطبع الأنذال
الحاء حبك للمساكين وعابريين السّبيل
وشموخك في هالدّنيا كنه شموخ الجبال
شوف حالي مال السّعادة بحياتي دليل
وفي غيبتك مال الصّبر عندي أي مجال
النّهار أسود ما عاد به فرق مع اللّيل
أسهر عيوني ودمعها على الخد همال
واتّجه للقبلة وأطلب من الله الجليل
يالله يالله ترد من بغيابه علينا طال
تكفى تراني دخيل الله ثم عليك دخيل
مال السّهر والصّبر عندي أي احتمال
عطنا من باقي عمرك ووقتك القليل
ودي أدفى بك وأحس إن للعز ظلال
ليه لا شفتك تقتل فرحتي بالرّحيل
ما مداني أقولك وشلونك وكيف الحال
طلبتك تدور لأسلوب حياتك بديل
ما عاد أطيق بهالدنيا سالفه التّرحال
وعيني ما عاد لها على السّهر حيل
ما تدري أنت فالجنوب ولا فالشّمال
هذي نظم حروف قصيدي جاتك مقابيل
تشكي عليك من همووم اللّيالي الطّوال
صارت فريسه وأنت كنت أسدها.
قصائد في المديح
ومن جميل ما نظمه الشّعراء في المديح ما يأتي:
لأمْدَحَنّ بَني المُهَلَّبِ مِدْحَةً
الفرزدق
لأمْدَحَنّ بَني المُهَلَّبِ مِدْحَةً
غَرّاءَ ظَاهِرَةً على الأشْعَارِ
مِثْلَ النّجُومِ، أمامَها قَمَرٌ لهَا
يجلو الدُّجى وَيُضِيءُ لَيلَ السّارِي
وَرِثوا الطِّعانَ عن المُهلّبِ وَالقِرَى
وَخَلائِقاً كَتَدَفّقِ الأنْهَارِ
أمّا البَنُونَ، فإنّهُمْ لمْ يُورَثُوا
كَتُرَاثِهِ لِبَنِيهِ يَوْمَ فَخَارِ
كلَّ المكارِمِ عَن يَديهِ تَقَسّموا
إذْ ماتَ رِزْقُ أرَامِلِ الأمْصَارِ
كانَ المُهَلّبُ للعِرَاقِ سَكِينَةً،
وَحَيَا الرّبِيعِ وَمَعْقِلَ الفُرَّارِ
كَمْ مِنْ غِنىً فَتَحَ الإلَهُ لهم بهِ
وَالخَيْلُ مُقْعِيَةٌ على الأقْتَارِ
وَالنَّبلُ مُلجَمَةٌ بِكُلّ مُحَدرَجٍ
منْ رِجلِ خاصِبَةٍ من الأوْتارِ
أمّا يَزِيدُ، فإنّهُ تَأبَى لَهُ
نَفْسٌ مُوَطَّنَةٌ على المِقْدَارِ
وَرّادَةٌ شُعَبَ المَنِيّةِ بِالقَنَا،
فَيُدِرُّ كُلُّ مُعَانَدٍ نَعّارِ
شُعَبَ الوَتِينِ بِكُلّ جائِشَةٍ لهَا
نَفَثٌ يَجيشُ فَماهُ بالمِسْبارِ
وَإذا النفوسُ جشأنَ طامنَ جأشهَا
ثِقَةً بِهَا لحِمَايَةِ الأدْبَارِ
إني رَأيْتُ يَزيِدَ عِنْدَ شَبَابِهِ
لَبِسَ التّقَى، وَمَهَابَةَ الجَبّارِ
مَلِكٌ عَلَيْهِ مَهَابَةُ المَلِكِ التقى
قَمَرُ التّمامِ بهِ وَشَمْسُ نَهارِ
وَإذا الرّجالُ رَأوْا يَزِيدَ رَأيتَهُمْ
خُضُعَ الرّقاب نَوَاكِسَ الأبصَارِ
لأغَرَّ يَنْجَابُ الظّلامُ لِوَجْهِهِ
وَبهِ النّفوسُ يَقَعنَ كلَّ قَرَارِ
أيَزِيدُ إنّكَ للمُهَلّبِ أدْرَكَتْ
كَفّاك خَيْرَ خَلائِقِ الأخْيَارِ
مَا مِنْ يَدَيْ رَجُلٍ أحَقّ بما أتَى
من مَكُرماتِ عَظايمِ الأخطارِ
مِنَ ساعِدَينِ يَزِيدَ يَقدَحُ زَندَه
كَفّاهُما وَأشَدّ عَقْدِ جِوَارِ
وَلَوَ أنّهَا وُزِنَتْ شَمَامِ بِحِلْمهِ
لأمَالَ كُلَّ مُقِيمَةٍ حَضْجَارِ
وَلَقَدْ رَجَعتَ وَإنّ فارِسَ كُلَّها
مِنْ كُرْدِها لخوَائِفُ المُرّارِ
فَتَرَكْتَ أخْوَفَها وَإنّ طَرِيقَها
لَيَجُوزَهُ النّبَطيُّ بِالقِنْطارِ
أمّا العرَاقُ فلمْ يكُنْ يُرْجَى بهِ،
حَتّى رَجَعْتَ، عَوَاقِبُ الأطْهارِ
فَجَمَعتَ بَعْدَ تَفَرّقٍ أجنادَهُ
وَأقَمْتَ مَيْلَ بِنَائِهِ المُنْهَارِ
وَلْيَنزِلَنّ بجِيلِ جَيْلانَ الذِي
تَرَكَ البُحَيْرَةَ، مُحصَدَ الأمْرَارِ
جَيشٌ يَسيرُ إلَيهِ مُلتمِسَ القِرَى
غَصْباً بِكُلّ مَسَوَّمٍ جَرّارِ
لَجِبٍ يَضِيقُ به الفضَاءُ إذا غدَوْا
وَأرَى السّمَاءَ بِغَابَةٍ وَغُبَارِ
فِيه قَبائِلُ مِنْ ذَوِي يَمَنٍ لَهُ
وَقُضَاعَةَ بنِ مَعَدّها وَنِزَارِ
وَلَئنْ سَلِمتَ لتَعطِفنّ صُدورَها،
للتُّرْكِ، عِطْفَةَ حَازِمٍ مِغْوَارِ
حَتى يَرَى رَتْبِيلُ مِنْهَا غَارَةً
شَعْوَاءَ غَيْرَ تَرَجّم الأخْبَار
وَطِئَتْ جِيادُ يَزِيدَ كُلَّ مَدينَةٍ
بَينَ الرُّدُومِ وَبَينَ نَخلِ وَبارِ
شُعْثاً مُسَوَّمَةً، عَلى أكْتَافِهَا
أُسْدٌ هَوَاصِرُ للكُمَاةِ ضَوَارِ
ما زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَداهُ إزَارَهُ
فَدَنَا فأدرَكَ خَمسَةَ الأشْبَارِ
يُدني خَوَافقَ من خَوَافقَ تَلتَقي
في كُلّ مُعتَبَطِ الغُبارِ مُثَارِ
وَلَقَدْ بَنى لبَني المُهَلّبِ بَيتَهمْ
في المَجدِ أطوَلُ أذرُعٍ وَسَوَارِي
بُنِيَتْ دَعَائِمُهُ على جَبَلٍ لهمْ
وَعلَتْ فَوَارِعُهُ على الأبْصَارِ
تَلقَى فَوَارِسَ للعَتِيكِ كأنّهُمْ
أُسْدٌ قَطَعْنَ سَوَابِلَ السُّفّارِ
ذَكَرَينِ مُرْتَدِفَينِ كُلّ تَقَلّصٍ
ذَكَرٍ شَديدِ إغارَةٍ الإمْرَارِ
حَملوا الظُّباتِ على الشؤون وأقسموا
لَيُقنِعُنّ عِمَامَةَ الجَبّارِ
صَرَعوهُ بيْنَ دكادِكٍ في مَزْحَفٍ
للخَيْلِ يُقحِمُهُنّ كلَّ خَبارِ
مُتَقَلّدي قَلَعِيّةٍ وَصَوَارِمٍ
هندِيّةٍ، وَقَدِيمَةِ الآثَارِ
وَعَوَاسِلٍ عَسْلَ الذّئابِ كأنّها
أشْطَانُ بَائِنَةٍ مِنَ الآبَارِ
يَقصِمنَ إذْ طَعَنوا بها أقَرانَهُمْ
حَلَقَ الدّرُوعِ وَهنّ غَيرُ قِصَارِ
تَلْقَى قَبَائِلَ أُمِّ كُل قَبِيلَةٍ
أُمُّ العَتِيكِ بِنَاتِقٍ مِذْكَارِ
ولَدَتْ لأزْهَر كلَّ أصْيَدَ يَبتني
بالسّيفِ يَوْمَ تَعانُقٍ وَكِرَارِ
يَحمي المكارِمَ بِالسّيوفِ إذا عَلا
صَوْتُ الظُّباتِ يُطِرْنَ كُلَّ شرَارِ
مِنْ كلّ ذاتِ حَبَائِكٍ وَمُفَاضَةٍ
بَيْضَاءَ سَابِغَةٍ على الأظْفَارِ
إنّ القُصُورَ بجِيلِ جَيلانَ التي
أعْيَتْ مَعاقِلُهَا بَني الأحْرَارِ
فُتِحَتْ بسَيفِ بَني المُهَلّبِ، إنّها
لله عادَتُهُمْ على الكُفّارِ
غَلَبوا بأنّهمُ الفَوَارِسُ في الوَغَى
والأكْثَرُونَ غَداةَ كُلِّ كِثارِ
وَالأحلَمونَ إذا الحُلومُ تهَزْهزَتْ
بالقَوْمِ لَيسَ حُلُومُهُمْ بِصغارِ
وَالقائِدُونَ إذا الجِيادُ تَرَوّحَتْ
وَمَضَينَ بَعد وَجىً على الحِزْوَارِ
حتّى يَرِعْنَ وَهُنّ حَوْلَ مُعَمَّمٍ
بالتّاجِ في حَلَقِ المُلوكِ نُضَارِ
أُعِيذُكَ مِنْ هِجَاءٍ بَعْدَ مَدْحِ
الشّريف الرّضي
أُعِيذُكَ مِنْ هِجَاءٍ بَعْدَ مَدْحِ
فعذني من قتال بعد صلح
منحتك جلّ أشعاري فلمّا
ظفرت بهنّ لم أظفر بمنح
كبَا زَنْدِي بحَيْثُ رَجَوْتُ مِنْهُ
مساعدة الضّياء فخاب قدح
وكنت مضافري فثلمت سيفي
وكنت معاضدي فقصفت رمحي
وكنت ممنعاً فأذل داري
دخولك ذل ثغر بع فتح
فيا ليثاً دعوت به ليحمي
حماي من العدى فاجتاح سرحي
وَيَا طِبّاً رَجَوْتُ صَلاحَ جِسْمي
بكَفّيْهِ، فَزَادَ بَلاءَ جُرْحي
ويا قمراً رجوت السّير فيه
فَلَثّمَهُ الدُّجَى عَنّي بِجِنْحِ
سأرمي العزم في ثغر الدّياجي
وأحدو العيس في سلم وطلح
لبِشرِ مُصَفَّقِ الأخْلاقِ عَذْبٍ
وجود مهذب النّشوات سمح
وَقُورٍ مَا استَخَفّتُهُ اللّيَالي
وَلا خَدَعَتْهُ عَنْ جِدٍّ بِمَزْحِ
إذا ليل النّوائب مد باعاً
ثَنَاهُ عَنْ عَزِيمَتِهِ بِصُبْحِ
وإن ركض السّؤال إلى نداه
تَتَبّعَ إثْرَ وَطْأتِهِ بِنُجْحِ
وَأصْرِفُ هِمّتي عَنْ كُلّ نِكْسٍ
أمَلَّ عَلى الضّمَائِرِ كُلَّ بَرْحِ
يهدّدني بقبح بعد حسن
وَلَمْ أرَ غَيْرَ قُبْحٍ بَعْدَ قُبْحِ
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
المتنبي
أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ
وَأعجبُ من ذا الهجرِ وَالوَصْلُ أعجبُ
أمَا تَغْلَطُ الأيّامُ فيّ بأنْ أرَى
بَغيضاً تُنَائي أوْ حَبيباً تُقَرّبُ
وَلله سَيْرِي مَا أقَلّ تَئِيّةً
عَشِيّةَ شَرْقيّ الحَدَالى وَغُرَّبُ
عَشِيّةَ أحفَى النّاسِ بي مَن جفوْتُهُ
وَأهْدَى الطّرِيقَينِ التي أتَجَنّبُ
وَكَمْ لظَلامِ اللّيْلِ عِندَكَ من يَدٍ
تُخَبِّرُ أنّ المَانَوِيّةَ تَكْذِبُ
وَقَاكَ رَدَى الأعداءِ تَسْري إلَيْهِمُ
وَزَارَكَ فيهِ ذو الدّلالِ المُحَجَّبُ
وَيَوْمٍ كَلَيْلِ العَاشِقِينَ كمَنْتُهُ
أُرَاقِبُ فيهِ الشّمسَ أيّانَ تَغرُبُ
وَعَيْني إلى أُذْنَيْ أغَرَّ كَأنّهُ
منَ اللّيْلِ باقٍ بَينَ عَيْنَيْهِ كوْكبُ
لَهُ فَضْلَةٌ عَنْ جِسْمِهِ في إهَابِهِ
تَجيءُ على صَدْرٍ رَحيبٍ وَتذهَبُ
شَقَقْتُ بهِ الظّلْماءَ أُدْني عِنَانَهُ
فيَطْغَى وَأُرْخيهِ مراراً فيَلْعَبُ
وَأصرَعُ أيّ الوَحشِ قفّيْتُهُ بِهِ
وَأنْزِلُ عنْهُ مِثْلَهُ حينَ أرْكَبُ
وَما الخَيلُ إلاّ كالصّديقِ قَليلَةٌ
وَإنْ كَثُرَتْ في عَينِ مَن لا يجرّبُ
إذا لم تُشاهِدْ غَيرَ حُسنِ شِياتِهَا
وَأعْضَائِهَا فالحُسْنُ عَنكَ مُغَيَّبُ
لحَى الله ذي الدّنْيا مُناخاً لراكبٍ
فكُلُّ بَعيدِ الهَمّ فيهَا مُعَذَّبُ
ألا لَيْتَ شعري هَلْ أقولُ قَصِيدَةً
فَلا أشْتَكي فيها وَلا أتَعَتّبُ
وَبي ما يَذودُ الشّعرَ عني أقَلُّهُ
وَلَكِنّ قَلبي يا ابنَةَ القَوْمِ قُلَّبُ
وَأخْلاقُ كافُورٍ إذا شِئْتُ مَدْحَهُ
وَإنْ لم أشأْ تُملي عَليّ وَأكْتُبُ
إذا تَرَكَ الإنْسَانُ أهْلاً وَرَاءَهُ
وَيَمّمَ كافُوراً فَمَا يَتَغَرّبُ
فَتًى يَمْلأ الأفْعالَ رَأياً وحِكْمَةً
وَنَادِرَةً أحْيَانَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ
إذا ضرَبتْ في الحرْبِ بالسّيفِ كَفُّهُ
تَبَيَّنْتَ أنّ السّيفَ بالكَفّ يَضرِبُ
تَزيدُ عَطَاياهُ على اللّبْثِ كَثرَةً
وَتَلْبَثُ أمْوَاهُ السّحابِ فَتَنضُبُ
أبا المِسْكِ هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُه
فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وَتَشرَبُ
وَهَبْتَ على مِقدارِ كَفّيْ زَمَانِنَا
وَنَفسِي على مِقدارِ كَفّيكَ تطلُبُ
إذا لم تَنُطْ بي ضَيْعَةً أوْ وِلايَةً
فَجُودُكَ يَكسُوني وَشُغلُكَ يسلبُ
يُضاحِكُ في ذا العِيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ
حِذائي وَأبكي مَنْ أُحِبّ وَأنْدُبُ
أحِنُّ إلى أهْلي وَأهْوَى لِقَاءَهُمْ
وَأينَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنقاءُ مُغرِبُ
فإنْ لم يكُنْ إلاّ أبُو المِسكِ أوْ هُمُ
فإنّكَ أحلى في فُؤادي وَأعْذَبُ
وكلُّ امرىءٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ
وَكُلُّ مَكانٍ يُنْبِتُ العِزَّ طَيّبُ
يُريدُ بكَ الحُسّادُ ما الله دافِعٌ
وَسُمْرُ العَوَالي وَالحَديدُ المُذرَّبُ
وَدونَ الذي يَبْغُونَ ما لوْ تخَلّصُوا
إلى المَوْتِ منه عشتَ وَالطّفلُ أشيبُ
إذا طَلَبوا جَدواكَ أُعطوا وَحُكِّموا
وَإن طلَبوا الفضْلَ الذي فيك خُيِّبوا
وَلَوْ جازَ أن يحوُوا عُلاكَ وَهَبْتَهَا
وَلكِنْ منَ الأشياءِ ما ليسَ يوهَبُ
وَأظلَمُ أهلِ الظّلمِ مَن باتَ حاسِداً
لمَنْ بَاتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلّبُ
وَأنتَ الذي رَبّيْتَ ذا المُلْكِ مُرْضَعاً
وَلَيسَ لَهُ أُمٌّ سِواكَ وَلا أبُ
وَكنتَ لَهُ لَيْثَ العَرِينِ لشِبْلِهِ
وَمَا لكَ إلاّ الهِنْدُوَانيّ مِخْلَبُ
لَقِيتَ القَنَا عَنْهُ بنَفْسٍ كريمَةٍ
إلى الموْتِ في الهَيجا من العارِ تهرُبُ
وَقد يترُكُ النّفسَ التي لا تَهابُهُ
وَيَخْتَرِمُ النّفسَ التي تَتَهَيّبُ
وَمَا عَدِمَ اللاقُوكَ بَأساً وَشِدّةً
وَلَكِنّ مَنْ لاقَوْا أشَدُّ وَأنجَبُ
ثنَاهم وَبَرْقُ البِيضِ في البَيض صَادقٌ
عليهم وَبَرْقُ البَيض في البِيض خُلَّبُ
سَلَلْتَ سُيوفاً عَلّمتْ كلَّ خاطِبٍ
على كلّ عُودٍ كيفَ يدعو وَيخطُبُ
وَيُغنيكَ عَمّا يَنسُبُ النّاسُ أنّهُ
إلَيكَ تَنَاهَى المَكرُماتُ وَتُنسَبُ
وَأيُّ قَبيلٍ يَسْتَحِقّكَ قَدْرُهُ
مَعَدُّ بنُ عَدنانٍ فِداكَ وَيَعرُبُ
وَمَا طَرَبي لمّا رَأيْتُكَ بِدْعَةً
لقد كنتُ أرْجُو أنْ أرَاكَ فأطرَبُ
وَتَعْذُلُني فيكَ القَوَافي وَهِمّتي
كأنّي بمَدْحٍ قَبلَ مَدْحِكَ مُذنِبُ
وَلَكِنّهُ طالَ الطّريقُ وَلم أزَلْ
أُفَتّش عَن هَذا الكَلامِ وَيُنْهَبُ
فشَرّقَ حتى ليسَ للشّرْقِ مَشرِقٌ
وَغَرّبَ حتى ليسَ للغرْبِ مَغْرِبُ
إذا قُلْتُهُ لم يَمْتَنِعْ مِن وُصُولِهِ
جِدارٌ مُعَلًّى أوْ خِبَاءٌ مُطَنَّبُ