أصحاب الكهف
أصحاب الكهف هم فتيةٌ من أشراف قومهم آمنوا برّبهم ووحدّوه، بعد أن كشف الله عز وجل الغفلة عن قلوبهم، في عهد الملك الرومي دقيانوس الذي كان يعبد الأصنام في زمن انتشرت به رسالة سيدنا عيسى عليه السلام، فقرّروا الفرار من قومهم خشيةً على دينهم الذي اعتنقوه وهو توحيد الله وحده، مُخلّفين وراءهم قومهم الذي عبد الأصنام والأوثان. قال تعالى: (إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا*فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) {سورة الكهف، آية(10-11)}.[?]
موقع كهف أصحاب الكهف
بعد أن قررّ الفتية الهروب بدينهم خوفاً من الحاكم، أووْا إلى كهفٍ واسع، أضحى برحمة الله جنّةً لهُم، وقد ألقى الله على آذانهم في هذا الكهف النومَ الذي أراح بهِ قلوبهم وأعطاهم بهِ السكينة والطمأنينة لمدة ثلاثمائة وتسع سنوات. اختلف الباحثون وعلماء الآثار في تحديد مكان الكهف الذي لجأ إليه الفتية، وحاولوا معرفة مكانهم ومكان كهفهم تحديداً، ووقع الاختيار على عدّة أماكن في المنطقة الخاضعة للحكم الرومانيّ استناداً إلى الدراسات التاريخيّة والأثريّة التي أجراها الباحثون.
رجّح معظم الباحثين أنّ كهف الرقيم، الذي يقع في قرية اسمها الرجيب قرب منطقة سحاب جنوب العاصمة الأردنيّة عمّان هو موقع الكهف الوارد في القرآن الكريم وخصوصاً بعد أن تبيّن وجود مسجد أعلى الكهف كما تؤكّد على ذلك الآية القُرآنيّة الكريمة بقوله تعالى:(فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ? رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ? قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى? أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) {سورة الكهف، آية (21)}، كما أقرّ البعض أنّه قد يكون كهف إفسوس الواقع في الأراضي التركيّة في منطقة هضبة الأناضول، ويقع هذا الكهف في جبل بيون من الجهة الجنوبيّة للجبل. [?]
عدد أهل الكهف
أنزل الله عز وجل في كتابه المبين سورة كاملة سُميّت بالكهف تقع في الجزء الرابع والخامس عشر، تخليداً لهؤلاء الفتية الذين فرّوا بدينهم خوفاً من الحاكم، واختلف الباحثون في تحديد عدد الفتية، فقد قالَ بعضهم إنّهم ثلاثة فتية وكان معهم كلبٌ هو رابعهم، وقالَ آخرون بأنَّ عددهم خمسة وكلبهم هو السادس، وقال غيرهم بأنّهم سبعة فتية وكلبهم الثامن، وأيّاً كانَ عددهم فعلمهم عند الله، ولكن يتوجب علينا معرفة العبرة والموعظة التي وردت في هذه القصة، فلو تمعنّا في الأحداث نرى رحمة ولطف الله لهم كيف تولى حفظهم خلال ثلاثمائة وتسع سنوات بتسخير ملائكة تُقلّب أجسادهم يميناً وشمالاً حتى لا تبلى أجسادهم وتأكلها الدود، بقوله تعالى:(وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) {سورة الكهف، آية 18}، كما ألقى الرعب على قلب الحاكم وأعوانه فلم يجرأ أحد على الدخول إلى الكهف، فمن يَصدُق الله يُصدّقه الله ويأويه ويحميه.[?]
العبر والمواعظ في سورة الكهف
- التفكّر في قدرة الله عزّ وجل التي لا حدود الله، والتصديق بيوم البعث الذي يُكذبه الكفار، فمن بعث الفتية بعد مئات السنوات قادر على إحيائنا يوم البعث.
- الله عز وجل يختبرنا بصدق إيماننا، فيضع الله الإيمان في قلوبنا ثم يمتحننا ماذا سنفعل وقت المحن، أو بالرخاء، قال تعالى:(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) سورة الكهف، آية (7).
- يجب علينا اختيار الصحبة الصالحة والحفاظ عليها، فهي أحد ما هى اسباب تقوية وتنمية إيمان المرء، كما فعل الفتية الصالحون مع بعضهم، قال تعالى:(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ? وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ? وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) سورة الكهف، آية (28).
- اللجوء إلى الله وطلب الاستعانة به، والتيقّن أن الله لن يخذلنا كما فعل الفتية، قال تعالى:(فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) سورة الكهف، آية (10).
- الحث على طلب العلم النافع، فعندما فرّ الفتية أرادوا الحفاظ على دينهم وطلب العلم النافع في عقيدتهم أيضاً.
- أهمية وفائدة دور الشباب في نشر الدعوة الإسلاميّة، والدفاع عنها، قال تعالى:(إذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَ?هًا ? لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) سورة الكهف، آية(14).
- الحذر والتوخي والحكمة في الأمور، فالفتية عندما استيقظوا وشعروا بالجوع، بعثوا رجلاً واحداً منهم فقط مُتخفياً حتى لا يلفت النظر، وأشاروا إليه التعامل باللين عند الشراء، واختصار الكلام مع الناس، والتصرّف بحكمة حتى لا يبعث الريبة في نفوسهم، كما تُشير الآية جواز اختيار الطيبات من الأكل دون إسراف، قال تعالى:(فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) سورة الكهف، آية (19).
- ترك المراء والجدال في الأمور التي لا نفع فيها، فماذا يهُمنا لو عرفنا عدد الفتية وأعمارهم وأعمالهم؟ ما يهم هو أخذ العبر في تصرفاتهم وثباتهم على الدين.[?]