تعرف ما هو البرزخ
إنّ البرزخ في اللغة يعني الحاجز بين الشّيئين، وقال في القاموس:" الحاجز بين الشّيئين، ومن وقت الموت إلى القيامة، ومن مات دخله "، والبرزخ هو الفترة الزّمنية التي تمرّ على كلّ شخص ميّت، سواءً أكان مسلماً أو كافراً، أو صالحاً كان أو طالحاً، ويجري خلالها فتنة القبر، وهي سؤال الملكين، ثمّ يأتي بعد ذلك النّعيم أو العذاب، ثمّ الدّور ثلاث، وهي: دار الدّنيا، ودار البرزخ، ودار القرار.
والحياة في البرزخ تكون مغايرةً للحياة في الدّنيا، وللروح فيها تعلق بالبدن، وإن فارقته في وقت، ردّت إليه في وقت آخر، مثل وقت السّؤال، أو النّعيم أو العذاب، وعند سلام المسلم عليه، ولا يعلم حقيقة هذه الحياة وكيفيّتها إلا الله، والمسلم سواءً أكان عاصياً أم لا فإنّه لا بدّ أن يمرّ في مرحلة البرزخ، ويكون فيها إمّا منعماً أو معذّباً حتى يبعثه الله سبحانه وتعالى. (1)
اجتماع الأرواح في البرزخ
إنّ أرواح المؤمنين تلتقي في حياة البرزخ جماعاتٍ للتعارف، وهذا اللقاء لا يشبه اللقاء في الحياة الدّنيا أو التعارف فيها، حيث أنّ أحكام حياة البرزخ تختلف اختلافاً تامّاً عن أحكام الحياة الدّنيا، بل هي تقع في عالم الغيب الذي لا يعلم حقيقته وماهيّته إلا الله عزّ وجلّ، وهناك أقوال عديدة لأهل العلم في مستقرّ الأرواح بعد الموت، حيث حكاها الإمام ابن القيّم في كتابه الرّوح، وقد رجّح أنّه لا يوجد لها مكان معين، بل إنّ لها عدّة أماكن، فمنها على سبيل المثال ما يكون على أفنية القبور، ومنها ما يكون في الجنة، ومنها ما يكون محبوساً على باب الجنّة، ومنها ما يتنقل، وعلى هذا الشّكل، ومع ذلك فإنّه لا يوجد أيّ مانع في أن تلتقي الرّوح التي في الجنّة مع الرّوح التي تكون على فناء القبر، وذلك لأنّ الأرواح لها خواص متعلقة بها، ومهي مختلفة بأحكامها عن مقاييس البشر.
والدّليل على ذلك أنّ أرواح الأموات تلتقي مع أرواح الأحياء، وذلك أنّ الأموات في الآخرة والأحياء في الحياة الدّنيا، ومع ذلك فلم يمنع هذا أن تلتقي أرواحهم، كما قال الله سبحانه وتعالى:" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "، الزمر/42.
قال ابن كثير:" وفيه دلالة على أنّ الأنفس تجتمع في الملأ الأعلى: كما ورد في الصّحيحين عن أبي هريرة، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنّه لا يدري ماخلفه عليه، ثمّ ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فأرحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين "، وقال بعض السّلف:" يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف ". (2)
ما يصل للميت بعد موته
إنّ من إجماع العلماء على أنّ الدّعاء يصل إلى الميّت في قبره، وأنّه ينتفع بالصّدقة كذلك، وذلك لحديث:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. ومنها : وولد صالح يدعو له ". وقد اختلف العلماء فيما سوى ذلك من الأعمال، أنّها تصل إلى الميّت أم لا، فمنهم من قال بأنّه لا يصله شيء منها، ومنهم من قال بأنّها تصله جميعها، ومنهم من فرّق بينها بشيء يصل وشيء لا يصل، وقد فصّل العيني القول في ذلك وانتصر للقائلين بوصوله فقال:" قلت اختلف النّاس في هذه المسألة، فذهب أبو حنيفة وأحمد رضي الله تعالى عنهما إلى وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميّت ..
وقال النّووي المشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنّ قراءة القرآن لا تصل إلى الميّت، ولكن أجمع العلماء على أنّ الدّعاء ينفعهم ويصلهم ثوابه لقوله تعالى:" وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ "، الحشر/10، وغير ذلك من الآيات، وبالأحاديث المشهورة منها قوله صلّى الله عليه وسلّم:" اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ". ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:" اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا ". وغير ذلك. فإن قلت هل يبلغ ثواب الصّوم أو الصّدقة أو العتق؟ قلت روى أبو بكر النجار في كتاب ( السّنن ) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أنّه سأل النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: يا رسول الله: إنّ العاص بن وائل كان نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وإنّ هشام بن العاص نحر حصّته خمسين أفيجزئ عنه؟ فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أباك لو كان أقرّ بالتوحيد فصمت عنه أو تصدّقت عنه أو أعتقت عنه بلغه ذلك.
فإن قلت قال الله تعالى:" وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى "، النجم/39، وهو يدلّ على عدم وصول ثواب القرآن للميت؟ قلت اختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال أحدها أنّها منسوخة بقوله تعالى:" والَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ "، الطور/21، أدخل الآباء الجنّة بصلاح الأبناء، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، ومنها أن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، فأمّا من باب الفضل فجائز أن يزيد الله تعالى ما شاء قاله الحسين بن فضل، ومنها أنّه ليس له إلا سعيه غير أنّ الما هى اسباب مختلفة، فتارةً يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارةً يكون سعيه في تحصيل سببه مثل سعيه في تحصيل قراءة ولد يترحّم عليه وصديق يستغفر له، وتارةً يسعى في خدمة الدين والعبادة فيكتسب محبّة أهل الدّين، فيكون ذلك سبباً حصل بسعيه، حكاه أبو الفرج عن شيخه ابن الزغواني. وغير ذلك من الأقوال في تلك الآية ". (3)
وقد أجمع العلماء على أنّ الميّت ينتفع بالصّدقات، سواءً أكانت صدقةً جاريةً، مثل بناء مسجد أو سقاية ماء، أو كانت صدقةً غير جارية، مثل إعطاء فقير بعض النّقود بنيّة أن يحصل الميّت على الثّواب منها، والدّليل على ذلك ما ورد في الصّحيحين:" أنّ رجلاً أتى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: يا رسول الله، إنّ أمّي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنّها لو تكلمت تصدّقت، أفلها أجر إن تصدّقت عنها؟ قال: نعم "، متّفق عليه، ولما رواه أحمد والنّسائي، عن سعد بن عبادة، أنّ أمه ماتت فقال:" يا رسول الله، إنّ أمّي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال: سقي الماء "، قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة.
وقال النّووي رحمه الله في شرح حديث:" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية "، وفيه أنّ الدّعاء يصل ثوابه إلى الميّت، وكذا الصّدقة، وهما مجمع عليهما. (4)
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 2602/ الحياة في البرزخ ./ 13-6-2000/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 15281/ أقوال أهل العلم في مستقر ولقاء الأرواح بعد الموت/13-4-2002/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 69795/ الأعمال التي يصل ثوابها إلى الموتى/ 12-12-2005/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(4) بتصرّف عن فتوى رقم 56783/ انتفاع الميت بالصدقة عنه جارية أو غير جارية/ 13-12-2004/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net