كثُرت الأقاويل عن معنى كلمة ( الأسودان ) ، لنجد براهينَ عدّة تخصّ المعنى و الدلالة .
جاء في ( تاج العروس ) و من المجاز : " ما طعامُهُم إلاّ الأسودان و هما التمرُ و الماء " ، و يقصدُ بالأسود التمر فقط بدون الماء ، حيث هذا التمر هو الغالب على تمر المدينة ، و نُعت الماء بذلك لأنّه مُصطحباً معه ، حيث كان العرب يطلقون التسمية الواحدة على الشيئين المترافقين اللذين لا يفترقا عن بعضهما البعض ، كصديقين متلازمين أو كأخويين توأمين .
و قد كثُرت التفسيرات عن كلمة ( الأسودان ) حيث كانت لغزاً نطقت به السيّدة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها .
و قد ذكرت الكتب ، بأنّ السيّدة عائشة حينما كانت تُحادث عروة قريبها ، و تفضي له حينما سألها عن حالها ، لتخبره بأنّها كانت تقضي أيّامها تنظر للهلال في شهرين كاملين ، و لم تكن لتُشعل ناراً في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلّم ، كإشارةٍ منها لفقر حالهم ، ليبادر عروة سؤالها عن طعامهم و ما يعيشهم و يسدّ رمقهم و يقيتهم ، فلم يكن منها إلاّ أن نطقت بكلمة واحدة و هي : الأسودان .
و ما تأكيد أبو عبيد القاسم بن سلام إلاّ يقيناً ، بأنّ قولها الأسودان إنما تقصد به التمر تحديداً ، و وصف الماء أيضاً بذلك ، لكونه مترافقاً للتمر ، و ما اختلاط التمر بالماء إلاّ يتغيّر لون الماء فيصبح أسود أيضاً.
و قد أشار بعض الشرّاح بأنّ أمّ المؤمنين أرادت الحرّة و الليل ، حيث لو كانت تقصد التمر و الماء ، لكانت في سعة و خير و نعيم و رغد في العيش ، و لكنّها كانت تقصد الضّنك و الشدّة و الضيق من حالتهم .
و أُكِّد في ( لسان العرب ) على أنّ الأسودان هما التمر و الماء ، و أيضاً الماء و اللبن ، و ذكر أيضاً أنّه الماء و الفَثّ الذي هو نوع من البقل يؤكل ، ذاكراً : " الأسودانِ أبرَدا عِظامي الماءُ و الفثُّ دوا أسقامي " .
يروى أنّ حجازيّاً قال لرجلٍ كان في استضافته ، بأنّ لا شيء لديه إلاّ الأسودان ، ليُسرّ الضيف بالخير الكثير الذي يتوقّعه من هذا المضيف ، فيخبره الحجازيّ بأنه ربّما اعتقد أنّه يقصد التمر و الماء ، و لكنّه ما قصد إلاّ الليل و الحرّة .
و لعلّني أرجّح رأي إحدى مشايخ العجم في الباكستان ، حين أتاه إثنان من طلبة العلم ، حيث قام بتقديم الأسودان كضيافةٍ ، و فسّر لهما أنّ التمر هو سيّد المأكولات ، و الماء هو سيّد المشروبات ، و ما المقصود بالأسودان إلاّ أنّهما السيّدان .
- المصادر :
- فتاوى الشبكة الإسلاميّة - المؤلّف : لجنة الفتوى بالشبكة الإسلاميّة .
- أدب الكتاتب لابن قتيبة - باب ما جاء في مثنى في مستعمل الكلام .
- غريب الحديث و الأثر - ابن الأثير .
- فتح الباري - ابن حجر - 5/ 199 .