إذا ما بحثت عن أدب رفيع، وخلق عظيم، ستجده وارداً في الدين الإسلامي الحنيف؛ لأنذ هذا الدين دين أخلاق وحسن معاملة؛ فالعلاقات بين الناس تضبطها الأخلاق الحميدة، والآداب القيمة، لذلك حث القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة على هذه الآداب ومنها: أدب الإستئذان الذي يعتبر أدباً إجتماعياً، وعرفاً قديماً تلتزم به المجتمعات المحافظة .
الإستئذان هو طلب الإذن في الدخول لمحل لايملكه المستأذن . ويجب على المرء حين يدخل بيت غيره من الناس أن يستئذن؛ لقوله عز وجل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ". إنما شرع الإستئذان من أجل حفظ حرمات البيوت، وصيانة أعراض الناس وممتلكاتهم .
إنّ للإستئذان آداباً شتى منها : الإستئذان ثلاث، وعدم النظر بداخل البيت، وعدم الوقوف أمام باب المنزل مباشرة، وعدم طرقه بقوة ، وإلقاء السلام على أهل البيت، وكذلك أن يخبر المستأذن عن اسمه؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال :" أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في دَيْن كان على أبي فدققت الباب فقال: من ذا ؟ فقلت: أنا، فقال : أنا أنا كأنه كرهها " .
كما ورد عن أبي موسى الأشعريّ- رَضِيَ اللهُ عنه – قال : قال رسولُ الله صلىّ الله عليه وسلّم: " الإستئذان ثلاث، فإنْ أُذِنَ لك، وإلّا فارْجِعْ" .
وكذلك عن عبدالله بن بسر - رضي الله عنه- قال:" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول : السلام عليكم".
كل هذه الأحاديث وغيرها تحث المسلمين على الالتزام بأدب االإستئذان فلأهمية وفائدة هذا الموضوع، وأثره على الأفراد أشارت الآيات الكريمة لبعض آدابه؛ قال تعالى: " فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ". وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- :" أفشوا السلام بينكم ".
يجب على أهل البيت أن يردوا التحية بمثلها أو بأحسن منها؛ لقوله تعالى : " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" .
فحتى الإستئذان عند الذهاب فهو من إحدى الآداب؛ فعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- رضي الله عنه -:" إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده فلا يقومن حتى يستأذنه". إن الإستئذان وجب- أيضاً- بين أفراد البيت الواحد لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : "عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم".
إنّ فوائد الإستئذان لا تعد ولا تحصى فمن تربى عليه نال حظاً وافراً من الأدب والرقي، ولذلك يجدر بنا تعليم الأطفال هذه الآداب وغرسها بهم ؛قال تعالى :" وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ " .