إنّ من الأخلاق التي انتشرت في مجتمعاتنا خلق النّميمة ، فهذا الخلق السّيء هو الذي يحمل صاحبه على أن يفسد بين النّاس و يزرع بينهم الشّقاق و الفتنة ، فترى النّمام له صفاتٌ معينةٌ تلازمه و يتّصف بها فهو يحب مجالسة النّاس و السّماع منهم وهو كثير الحلف ، فتراه إذا سمع أحداً يذكر أحداً بسوءٍ هرع إلى الشخص الذي تكلّم الآخر عنه ليخبره بما قال عنه أخوه و هو يعلم يقيناً بأنّ عمله هذا سوف يزرع الشّقاق بين الإخوان بل و يحمل النّاس على التباغض و الفرقة ، فنفس الإنسان مجبولةٌ على سماع الخير و المديح و الكلام الطيّب فيفرح أحدنا إذا سمع أحداً يذكره بالخير و بالمقابل ترى أحدنا يحزن حين يعلم أنّ فلاناً يذكره بالسّوء ، بل ربما أخذ الغضب ببعض النّاس مبلغاً و خاصّة من كان ضعيف الإيمان ، فربما يهرع ليؤذي من تكلّم عنه ، فالنّميمة آفةٌ من آفات اللسان ينبغي على المسلم اجتنابها أشدّ الإجتناب ، فربّ كلمة لم يلقى لها بال فرّقت بين زوجين متحابين أو زرعت الشّحناء بين الأقارب و ربّما تصنع حروباً و معارك بين الدول و الأمم ، فالنّميمة فتنةٌ و الفتنة أشدّ من القتل ، و قد حذّر الله سبحانه من اتّباع من يمشي بالنّميمة و تصديق قوله ، فقال عزّ من قائل " و لا تطع كلّ حلافٍ مهين ، همّازٍ مشّاءٍ بنميم " ، و في الحديث " لا يدخل الجنّة قتّات " و القتّات هو من يمشي بالنّميمة أعاذنا الله منها و من أهلها .
و من رّحمة الإسلام و عظمته و حرصه أن تشيع المودّة و المحبّة و الوئام بين أفراد المجتمع أن أباح للحكم بين المتخاصمين ومن يسعى بالإصلاح بين النّاس أن ينّم خيراً ، أي لا حرج في أن يقول لأحد المتباغضين إنّ أخوك يحبّك مثلاً أو يذكرك بالخير دائماً فربما كان هذا الكلام لا يعكس حال الرّجل الخصم تماماً و لكنّه يحقّق مقاصد الشّريعة من إزالة ما هى اسباب البغض و الشّحناء بين أفراد المجتمع ، فهذا غاية الدّين و غاية الإسلام العظيم أن يسود الحّب في المجتمع فلا يظنّ النّاس بأنفسهم إلا خيراً ، و إن تكلّم أحدٌ ونمّ عن أخيه محاولاً الإفساد نبذه النّاس لأنّه من ينّم عن أخيك سيأتي اليوم الذي ينّم عنك فيه .