بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد،
لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من الأحداث العظيمة التي مَرَّتْ في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد ثلاثة عشر عامًا من الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وما لقيه رسول الله وأصحابه من العناء والتعذيب والإيذاء في هذه المدة، جاء الأمر الإلهي إلى رسول الله بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، فكانت هذه الهجرة فاتحة خير عظيمة، ونصرًا مؤزرًا، حيث غيرت مجرى التاريخ، ومَكَّنَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بناء الدولة الإسلامية، وتقوية وتنمية شوكة المسلمين.
بعد أن رأى الرسول في منامه دار الهجرة، قام بوصفها لأصحابه، وأمرهم بالهجرة إليها، فبادروا إلى الهجرة، وبَقِيَ رسول الله وأبو بكر وعلي رضي الله عنهما، حيث مكثا بأمرٍ من الرسول. وفي ذلك الوقت لما أَحَسَّتْ قريش بما يجري حولها، بدأت بالتحرك والمسارعة للقضاء على رسول الله، فاجتمعوا يتشاورون ويتباحثون في طريقة القضاء على رسول الله ومن معه، ولكن باءت كل محاولاتهم بالفشل، فقد نصر الله رسوله ومن معه، حيث جاء جبريل بالوحي إلى رسول الله فأمره بألا ينام في مضجعه في تلك الليلة، فأمر رسول الله عليًا أن يبيت في مضجعه، ثم بعد ذلك خرج رسول الله مهاجرًا هو وأبو بكر في تلك الليلة، وتوجها إلى غاز ثور، فلما لحق المشركون برسول الله وأرادوا النيل منه، ووصلوا إلى غار ثور، عَمَّى الله عليهم باب الغار، فلم يستطيعوا رؤيتهما، فيئسوا ورجعوا منهزمين. ثم أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريق إلى المدينة هو وأبو بكر رضي الله عنه بعد أن مكثا ثلاثة أيام في ذلك الغار المُوحِش.
ولو شاء الله تعالى لَيَسَّرَ لرسوله هذه الهجرة بأيسر الأسباب، كأن يَحْمِله على البُراق من مكة إلى المدينة، فَيَصِلُ إلى المدينة بلمح البصر، كما أسرى به من مكة إلى بيت المقدس في ليلة الإسراء والمعراج، ولكن لحكمة ربانية عظيمة شاء الله تعالى أن تكون هذه الهجرة النبوية شاقة ومتعبة على رسول الله وأصحابه، حتى تتعلم أمته الدروس والعبر والعظات في الصبر والتوكل على الله تعالى، وتحمل المشاق، فالمسلم يصبر ويتوكل على الله، ويتحمل كل الصِّعاب اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنّ من الدروس التي نتعلمها من هذه الهجرة كيف أن الدين والعقيدة أغلى من الوطن والأرض ومن كل الدنيا. ونتعلم منها أيضًا دروسًا عظيمة في الصبر والتوكل، والإخلاص والتضحية، وحسن التخطيط والتدبير، والأخذ بالما هى اسباب المشروعة في كل أمور الحياة.
