الهجرة
حملَ رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم الرسالةَ بعدَ أن كلّفهُ الله تعالى بحملها حينَ نزلَ عليهِ الوحيُ بذلك، فبدأ الرسولُ الكريم عليهِ الصلاةُ والسلام بالدعوةِ إلى الله تعالى في قومهِ من أهل مكّة، وكانَ كعادةِ الأنبياء والرُسُل من قبله أن واجهتهُ عاصفةٌ هوجاء من الأذى والإعراض والكيدِ لهذا الدين ووأدهِ قبلَ أن يكثُرَ أتباعهُ ومُريدوه.
فكانَ أن جمعَ الكُفّار من أهل مكّة كيدهُم وأمرهُم على أن يتخلّصوا من رسولِ اللهِ صلّى الله عليهِ وسلّم بالكُليّة بعدَ صراعٍ معهُم في مكّة لمدّة ثلاث عشرَة سنة، وكانَ هذا الاجتماع الكيديّ برسولِ الله عليهِ الصلاةُ والسلام في دارِ الندوة في مكّة وهيَ دارُ قُصيُّ بن كلاب، حيث أجمعوا على قرار قتلِ رسولِ الله صلّى الله عليهِ وسلّم.
كانَ هذا القرار يقضي بأن يأخذوا من كُلّ قبيلة شابّاً فتيّاً فيحملونَ على رسولِ الله صلّى الله عليهِ وسلّم فيضربونهُ ضربةَ رجلٍ واحد فيتفرّق دمهُ الشريف بين القبائل كما يزعمون، وما علِموا أنَّ الله الذي أرسلهُ بهذا الدين قد حماهُ من هذا الكيد، وأمرهُ بالهِجرة إلى حيث أرادَ الله له وحيث يجد النصر والتميكن لهُ من قبائل المدينة المنوّرة حينَ خذلهُ أهل مكّة، فكانَ أن أنقذَ اللهُ رسولهُ من مكيدةِ الكُفّار وخرجَ من بيتهِ وهُم بخارجه، فلم يروهُ وأعمى اللهُ أبصارهُم وتوجّه وصاحبهُ أبو بكر الصديق رضيَ الله عنه قاصدينَ الهجرة إلى المدينة.
الهِجرة النبويّة
حينَ توجّهَ رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم قاصداً الهِجرة إلى المدينة المنوّرة استأجرَ لهُ دليلاً يدلّهُ على الطريق وهوَ عبد الله بن أُريقط، وهوَ عالمٌ بأرضِ الجزيرة وصاحبُ معرفةٍ بالطريق، واتفقَ معهُ رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم أن يُلاقيهم هوَ وأبو بكر بعدَ ثلاث ليالٍ في غارِ ثور حتّى ينقطعَ عنهُم الطلب من أهل مكّة خُصوصاً حينَ علموا بنجاته صلّى الله عليهِ وسلّم من بين أيديهم.
لذا فقد ثارت ثائرتهُم وبذلوا عظيمَ الجوائز لمن يأتي برسولِ الله عليهِ الصلاةُ والسلام، فكانَ من بينِ هؤلاء الذين تقدّموا لنيل الجائزة هوَ سُراقة بن مالك الذي لحقَ برسولِ الله صلّى الله عليهِ وسلّم وصاحبهِ أبي بكر فأراهُ الله كيفَ أنّهُ يمنعُ الناسَ عن نبيّه، إذ غارت حوافر فرس سُراقة في الرمل كُلّما أرادَ الاقتراب من رسول الله عليهِ الصلاةُ والسلام فوقعَ الرُعبُ في قلبه وذهَب.
استكملَ بعدها رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم سيرهُ وصاحبهُ أبو بكر حتّى بلغوا المدينة المنوّرة، حيث استقبلتهُم طلائع الأنصار والمُهاجرين يُنشدونَ فرحاً بقدوم نبيّ الله تعالى إليهِم، فتمّت لرسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم الهِجرة كما أتمّها الله للرسُل من قبله وهذهِ سُنّة الأنبياء والمُرسلين في الهجرة من ديارهم في سبيل الله.
دروسُ الهجرة النبويّة
للهجرة النبويّة دروسٌ عظيمة يتعيّن على المُسلم أن يستحضرها في حياته، فالهِجرة كانت طريقُ الأنبياء ومعناها أنّك تفرّ بدينك حينَ يُضيَقُ عليكَ في دينك، فأرضُ الله واسعة، كما أنّ هِجرة النبيّ الكريم عليهِ الصلاةُ والسلام كانت من أجل حفظ الدين وإقامة الدولة المُسلمة التي نشرت العدل والحضارة بينَ العالمظ.
من دُروسِ الهِجرة النبويّة أنّ رسولَ الله عليهِ الصلاةُ والسلام على الرغم من أنّهُ رسولٌ مؤيّدٌ من عِندِ الله تعالى، إلاّ أنّهُ أعدّ العُدّة للهجرة وأخذَ بالما هى اسباب كاتّخاذهِ للدليل الذي يُرشدهُ إلى المدينة وبقائهِ في غار ثور بعيداً عن أعين المُشركين وغير ذلك من الدروس التي تحتاج إلى وقفات طويلة من التأمّل والتحليل.