النبي محمد بن عبد الله هو آخر الأنبياء الذين أنزل الله تعالى عليهم كتابه، وقد اصطفاه الله تعالى على جميع الأنبياء رضوان الله تعالى عليهم، وكان صلى الله عليه وسلم من قبل نزول الوحي عليه يتفكّر ويتأمل في طريقة خلق السموات والأرض وخلق الإنسان، وكان عليه الصلاة والسلام يُلقّب بالصادق الأمين ممّا عُرف عنه في مكة من طيبة قلبه وصفائه وحكمته وحفظه الأمانات والصدق في جميع أفعاله وأقواله.
قام جدّ الرسول صلى الله عليه وسلم عبد المطلب بتربيته وهو صغير بعد وفاة أمه وأبيه، وبعد وفاة جده ربّاه عمّه أبو طالب، وكان متعلقاً بالنبي بشكلٍ كبير جداً، وكان يأخذه في تجارته إلى بلاد الشام، وفي يوم ما كانت رحلتهما إلى بلاد اليمن حيث تكثر الديانة اليهودية فيها، وكانت غمامة تُظِل النبي عليه الصلاة والسلام من حرّ الشمس وتقيه من أشعتها وتلاحق النبي عليه السلام أينما ذهب، وعند وصولهما إلى المناطق القريبة من اليمن نظر إليه أحد العرب وقال لعمه أبي طالب بأن يرجعه إلى مكة لأن اليهود تنتظر نبيّاً اسمه محمد، وما من شخصٍ يمتلك هذه المواصفات إلا ابن أخيك فرجع به إلى مكة.
كبر النبي عليه الصلاة والسلام وكان يعمل في رعي الأغنام والإبل، وتزوّج الرسول عليه السلام من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، ومن بعد ذلك نزلت عليه الرسالة، وقام بنشر الدعوى سراً فبدأ الدعوة بأهل بيته وصاحبه أبو بكر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وبدأت قصة كفاحه عليه الصلاة والسلام؛ حيث كان حامياً للدّين وقام بنشره إلى جميع الناس، وأخذ يدعوهم إلى الإيمان بالله عزّ وجلّ وحده لا شريك له، ولكن فئةً قليلةً منهم آمنت وفئةً كبيرةً كفرت بدعوته ولم تصدقه.
صدّت قريش الرسول عن نشر الدعوة وحاربته بشدة، وكانوا يلقون الحجارة عليه، ووضع الشوك في طريقه لكنّه عَليه الصلاة والسلام استمر بنشر الدعوة حتى أتاه فريقان من الأوس والخزرج يطلبان الإيمان بالله وحده، وكانوا من أهل المدينة من منطقة تُسمّى العقبة، وبعد إيمان الأوس والخزرج اشتدّت سيوف العرب على المسلمين وكانوا يعذبونهم ويقتلونهم ويشرّدونهم، حتى أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة.
أراد النبي أن يطمئن على وصول جميع المسلمين إلى المدينة سالمين فبقي في بيته حتى خرجوا من مكة جميعاً، وقد عرفت قريش بهذه الهجرة فاقترحوا على بعضهم بأن يأخذوا رجلاً من كل قبيلة ويقتلوا النبي عليه الصلاة والسلام بحيث يتوزّع دمه بين العرب، فأوحى الله تعالى إلى النبي بهذا الأمر حتى فداه ابن عمه سيدنا علي كرم الله وجهه بروحه، وبات في بيت الرسول وعلى فراشه وباءت خطة قريش بالفشل.
هاجر النبي وصاحبه سيدنا أبو بكر الصديق إلى المدينة، وفي طريقها عرفت قريش بأمرهما ولاحقتهما، وفي الطريق أراد النبي بأن يستريح فتوجّه وصاحبه أبو بكر إلى غار وباتوا فيه، ورأت قريش آثار أقدامهما متجهةً إلى الغار حتى صعدا إليه، فأمر الله الطير بأن تصنع عشّها وترقد على بيضها، وأمر العنكبوت بحِياكة خيوطه على باب الغار، وذهبت قريش بعد ما رأته على باب الغار.
بعد ذلك استكمل الرسول وصاحبه هجرتهما ووصلا المدينة المنورة، وتهافت المسلمون عليه وأنشدوا له، ومن بعد ذلك وصل سيّدنا علي إلى المدينة وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وبذلك كانت المدينة المنورة المكان الذي تكاثف فيه المسلمون فازداد عددهم وقويت شوكتهم.