محمد صلى الله عليه وسلم
إنّ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مليئةٌ بالأحداث العظيمة التي غيّرت مجرى التاريخ والتي كان لها وقعٌ كبيرٌ في نفوس جميع المسلمين عند سماعهم لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنّ الهجرة النبوية تعدّ في نظر المعظم الحدث الأعظم والفاصل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي طريق الدعوة إلى الله تعالى؛ إذ إنّ الهجرة النبوية الشريفة كانت هي البداية لتأسيس الدولة الإسلامية وللاستقرار في حياة المسلمين ولبدء فصلٍ جديدٍ في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد الأذى الذي تعرّضوا له في مكة المكرمة على أيدي قريش، ولهذا أصبح التقويم الإسلامي يعتمد التاريخ الهجري وهو التقويم الذي وضعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء خلافته لمّا رأى للهجرة من أهميةٍ كبيرةٍ في التاريخ الإسلامي.
ما هى اسباب الهجرة وأهدافها
تعرّض المسلمون في بداية الدعوة في مكة المكرمة إلى الأذى الكثير على أيدي قريش، ومات العديد من الصحابة الكرام نتيجةً للتعذيب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تأذّى أيضاً من التعذيب حتى ماتت زوجته أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد وعمه أبو طالب في عام الحزن، وهو ما زاد من الأذى عليهم بعد موت أبي طالبٍ وهو ما عُرف بعام الحزن.
التمهيد للهجرة وبيعتا العقبة
بدأ سيّدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالالبحث عن أماكن ليهاجر لها المسلمون، فذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام ويطلب منهم النصرة ومعه زيد بن حارثة، فآذوه أذىً شديداً حتّى دمت قدماه الشريفتان وجرح رأس زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو يدفع الأذى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأ عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه من بعدها على القبائل ويبلّغهم الإسلام فترفضه القبائل جميعها وتردّه أشد الرد، حتى لقي في العقبة ستةً من الخزرج، فعندما دعاهم للإسلام عرفوا أنّه نبي آخر الزمان التي كانت اليهود تعدهم أنّهم سيقتلونهم به عندما يخرج من بينهم، فأسلموا به صلّى الله عليه وسلم وعادوا إلى المدينة المنورة بالخبر.
في العام القادم أتى اثنا عشر رجلاً من الأنصار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في منة في العقبة فبايعوه على الإسلام، فبعث عليه الصلاة والسلام معهم مصعب بن عمير يعلّمهم الإسلام فانتشر على يديه الإسلام في يثرب، وعاد في العام القادم مُصعب بن عمير ومعه سبعون رجلاً وامرأتين من الأنصار يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية والتي كانت قبل الهجرة بثلاثة أشهر، وأذن صلى الله عليه وسلم للمسلمين بعدها بالهجرة إلى المدينة فأخذ معظمهم يهاجرون سرّاً حتى لم يبق في المدينة إلّا الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعليّ بن أبي طالب والضعفاء والمحبوسون.
الهجرة النبوية الشريفة
عندما رأت قريشٌ هجرة قومهم إلى المدينة خافوا من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمروا أن يقتله من كلّ قبيلةٍ شابٌ حتى يتوزع دمه بين القبائل، فأخبر جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وأمره ألّا ينام في مضجعه تلك الليلة، فأمر عليّاً رضي الله عنه أن ينام مكانه ويبقى خلفه حتى يعيد الأمانات إلى أهلها، فخرج عليه السلام من بينهم يحثوا عليهم التراب ولا يرونه، فعندما كان الصباح دخلوا على عليٍّ رضي الله عنه فبقي بعده ثلاثة أيام حتى وصلته رسالةٌ من رسول الله يأمره فيها بالهجرة.
غار ثور
لم يتوجّه الرّسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مباشرةً حتى لا تتبعه قريش، إنّما توجه إلى غار ثورٍ وهو كهف في جبلٍ إلى جنوب مكة المكرمة فأقام به الرّسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ ثلاث ليالٍ يأتيهما عبد الله بن أبي بكرٍ مساءً يمكث معهما وتأتيهما أسماء بنت أبي بكرٍ بالطعام، وعندما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الغار ضرب العنكبوت بيته على بابه فعندما أتت قريشٌ في طلبهم رأوا بيت العنكبوت على باب الغار فانصرفوا.
أمّ معبد
بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المدينة بعدما خرج من غار ثور ومعهما دليلهما عبد الله بن أريقط مرّوا بخيمة أم معبد، فسألاها عن شيءٍ يأكلانه فقالت لهم إنّه ما عندهم طعامٌ ولا شراب إلّا شاةٌ حائل، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الشاة فمسح على ضرعها ودعا الله تعالى فحلب منها وأعطى أمّ معبدٍ حتى تشرب، وشرب من بعدها هو وأصحابه، فعندما أتى القوم إليها يسألونها عنه صلى الله عليه وسلم أنكرت رؤيته.
الوصول إلى المدينة المنورة
وصل عليه الصلاة والسلام إلى قباء في الثامن من ربيع الأول يوم الاثنين، فأقام عند كلثوم بن هدم أربع أيام وقدم إليه عليّ بن أبي طالب بعد إقامته ثلاثة أيّامٍ في مكة المكرمة يؤدّي الأمانات إلى أصحابها فأسّس عليه الصلاة والسلام مسجد قباء، وخرج بعدها عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ودخلها في الثاني عشر من ربيع الأول يوم الجمعة من السنة الأولى للهجرة.