من أكثر ما ييبتلى به الناس على مر العصور سوء الظن ببعضهم البعض، حتى كادت شجرة علاقاتهم الاجتماعية تذبل، وجذورها تقطع، وأوراقها تتساقط، فتتداعى وتفنى.
ويكون سوء الظن بتوقع وتخيل الأقوال والأحداث والأفعال الصادرة من الآخرين، فتترتب على ذلك آثار نفسية ومادية يكون لها محلها في قطع حبل الصلة بين اثنين آو أكثر.
فإذا دخلت امرأة إلى مكان عام ودخلت بعدها شاب ظنت أنهما على علاقة غير شرعية، ولكنها بعد هنيهة تصنت إلى حديثهما فيتبادر إلى سمعهما أنهما أخوين، فتكون قد ظنت بهما سوءاً والأمثلة في الواقع تكثر، ويقسم سوء الظن إلى قول وفعل وتفكير، فقد يفعل المرء شيئأ بحسن نية، كأن يساعد امرأة عجوز فسوف يفسرون مساعدته لها بأنه طامع في إرثها.
ويعد سوء الظن من الصفات الرذيلة ومن الذنوب، وهو من الأمراض الاأخلاقية المدمرة، فمن غمر قلبه سوء الظن، لا يرى الناس على حقيقتهم، ولا يمكنه إدراك الواقع، وقد حذر الدين الإسلامي من هذا الخلق الذميم، إذ يقول الله في كتابه الكريم:" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم* ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقو الله إن الله تواب رحيم"، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):" إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء".
ويلجأ الإنسان الضعيف للظن بالآخرين لسبب في نفسه؛ كأن يرى الناس بعين طبعه، فإذا كان لئيماً ظن كل الناس يتمتعون باللئم، وإن كان خبيثاً، سارقاً، كاذباً، فاتناً، ظن كل من حوله مثله، كما أن ضعيف الإيمان يظن سوءاُ بالناس، لأن الإيمان والثقة بالله لم تغمر قلبه.
وبعض خبيثي النفس لا يروق لهم رؤية الصالحين، فيرصدون لهم زلاتهم وغفواتهم ويسيئون الظن بهم، ويعملون على إفساد صورتهم في عقول الناس.
ولسوء الظن آثار سيئة، فهي تجعل الفرد منعزلاً عن الآخرين، متوجساً منهم، ويظن بهم أنهم سيمسونه بسوء، فيعزل نفسه نفسياً وجتماعياً ويصبح منطوئً مما يجعل شخصيته تتداعى مع الأيام.
كما أنه لا نفع من عباداته مادام يظن السوء بغيره؛ لأن ظن السوء يعتبر من الذنوب والآثام، وعلى المسلم أن يصلح نفسه قبل أن يظن بالناس ظناً ليس في محله، فيؤثم نفسه، ويظلم الناس، وعليه أن يتجنب إطلاق الحكم على غيره من الافراد، وأن يتقي التسرع، فإذا سمع شيئاً عن أخيه فلا يجب عليه أن يصدقه، بل يدع لعينيه فرصة التصديق، وما لم يراه بعينه لا يجب عليه أن يصدقه.
وهذا الزمن مملوء بالإشاعات، وآثار ظن السوء المتفشية في المجتمعات، فلو صار كل شخص حريص على ما يفكر وما يقول، لتجنب مساوئ الأمور، وبات مجتمعه متحاباً متعاوناً صافياً.