هو الدّاء القديم الحديث والمستمر، هو المهدر الأوّل للكرامة الإنسانية، وهو الذي ضيع الدول ودمر الحضارات، هو العدو الاول للأخلاق والمتناسب عكسيّاً معه، هو المحفّز الأول للجرائم بشتى أنواعها، هو مانع النهضة، هو من حذر ويحذر وسيحذر منه كل من أعطي جزءاً من عقل. إنّه الفقر الداء الذي لم يصنع له دواء.
لن أتطرق ووسائل إلى مدى انتشار الفقر في هذا العصر، فالقاصي والداني يعرف الدول التي تعاني منه، ومدى انتشاره بين الشعوب، بل المهم ما الما هى اسباب وما السبيل إلى العلاج.
السّبب الرئيسي للفقر هو تسلط الأغنياء على الفقراء ومحاولة حلبهم دون مقاومة ودون وجود أي رادع، إذ لم يعد من المجدي تذكير النّاس بما جرى ابتذاله من نصوص دينية أو قانونية والتي تكفل حقوق العمال، ففي الدول التي ينتشر الفقر فيها غاب القانون عنها.
هذا في الدولة الواحدة، أمّا إذا ما نظرنا إلى دول العالم أجمع، سنجد أنّ الدول التي تعاني من الفقر هي الدّول التي كانت يوماً ما ضحيّة للدول الاستعمارية التي نهبت خيراتها وقتلت شعوبها ودمرت حضارتها، والحجّة واضحة "أتينا لنهضتكم وليس لاستعماركم وسرقتكم".
من ما هى اسباب الفقر انتشار البطالة، ومن ما هى اسباب البطالة انتشار الفقر؛ اذ نجد أنّ الشعوب الفقيرة تنتشر فيها البطالة وذلك لعدم القدرة المادية على خلق فرص العمل، وعدم الاستطاعة على خلق فرص العمل هو السبب الرئيسي للفقر، لذا فان مشكلتي الفقر والبطالة هما من المتلازمات.
الحل الأوّل والأساسي لمشكلة الفقر يكمن في وجود إرادة سياسية حقيقية، إذ تعتبر الإرادة السياسية هي أساس مشروع مكافحة الفقر، حيث تستطيع هذه الإرداة استثمار كافة الكفاءات العلمية والموارد البشرية المؤهلة للنهوض بالدولة مما يخلق فرص العمل. كما يجب أن تضع الحكومات نصب أعينها إعادة تقييم لموارد الدولة ومكافحة الفساد، لإشعار الفقراء بوجود نية إصلاحية حقيقية، والتي من شأنها تحفيزهم على العمل والإنتاج والبناء وبالتالي النهوض بالدولة ووضعها في المراتب الأولى.
لا يمكن محاربة الفقر بالتبرعات والحملات والجمعيات الخيرية، مع التأكيد على أهميتها، ففي الدول الفقيرة تنتشر هكذا أفكار في محاولة للتغطية على الفساد الحكومي وإيهام الشعب بأن الحل بين يديه، وهم أصل كل فساد وأصل كل بلية.
لن يستطيع الإنسان أن يؤدي وظيفته الأساسية التي وجد لأجلها، طالتعرف ما هو لاهث وراء لقمة عيشه، يلملم حاجاته الأساسية ومتطلبات حياته من هنا وهناك، لينام ويصحو فيجدها قد سرقت منه فيزداد هو فقرا ويزداد السارق غنا، ليعاود الكرة من جديد.
"ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون".