الدولة السوريّة هي إحدى الدول العربيّة الحاصلة على استقلالها في منتصف القرن العشرين، وبالتحديد في عام ألف وتسعمائة وواحد وستين، وهي جمهوريّة مركزيّة تتكوّن من أربع عشرة محافظة، تحدّها من الشمال جمهورية تركيا، ومن الشرق الجمهوريّة العراقية، وجنوباً المملكة الأردنيّة، ومن ناحية الغرب تقع كل من لبنان وفلسطين والبحر المتوسط. وقرقيسيا هي إحدى المدن السوريّة الصغيرة ذات القيمة الأثريّة، وتقع عند مصبّ نهر الخابور في نهر الفرات في شرق الدولة السورية، وبالقرب منها توجد مينة دير الزور، ويعمل أغلب سكّان البلدة في الزراعة.
تقوم بلدة قرقيسيا الحاليّة فوق تل أثري تهدّم بفعل مرور الزمن، ويبعد حوالي أربعين كيلو متراً جنوب مدينة دير الزور. يظنّ علماء الآثار أنّ ذلك الموقع الّذي تقوم عليه البلدة القديمة والحاليّة كان في الأصل عائداً إلى الحقب البابليّة والآشوريّة القديمة، وأنّ البلدة كانت إحدى البلدات التابعة لمقاطعة سيرفو الآشورية في القرن التاسع قبل ميلاد المسيح، وبعد ذلك أصبحت المنطقة تحت الحكم الفارسي، ومن بعد ذلك الحكم السلوقي، إلى أن احتلّ الرومان المنطقة، وأصبحت سوريا إحدى المقاطعات الرومانية، وكان اسم البلدة القديم هو كركيسيوم، وهو اسم لاتيني يعني المعقل أو الحصن الدائري.
وقد ذكرت مدينة قرقيسيا في كتابات المؤرّخين والإخباريين المسلمين؛ حيث ذكر أنّ القائد الإسلامي خالد بن الوليد قد مرّ بالبلدة في العام الثالث عشر الهجري، وقد تمّ فتح مدينة قرقيسيا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك بعد حصول أحداث في تلك المنطقة الّتي كان سكّانها قد تعاونوا مع الرومان في الحرب ضد المسلمين خلال الفتوحات الإسلاميّة لبلاد الشام وبلاد العراق، وأغارت مجموعات منهم على المدن والبلدات التي فتحها المسلمون بغرض طردهم منها، وعندما وصل الأمر إلى الخليفة عمر بن الخطّاب أمر سعد بن أبي وقاص الّذي كان قائد الجيوش العربية في العراق بأن يرسل حملة تأديبيّة على تلك المدن التي يتمركز فيها المتعاونون مع الرومان، وكانوا متمركزين في كلٍّ من قرقيسيا ومدينة أخرى تسمّى هيت.
أرسل سعد بن أبي وقاص حملةً على رأسها أحد قائديه، وكان يدعى عمر بن مالك، الّذي وصل إلى هيت أولّاً فوجدها مدينة محصّنة بقوّة، وقد قام أهل المدينة بحفر خندق حولها يجعلها منيعة قادرة على صد الهجوم، وهنا قرّر عمر بن مالك أن يفتح قرقيسية أولاً، وبالفعل قام بترك معسكر الحصار منصوباً كما هو، واتّجه بما يزيد عن نصف جنود الحملة سراً إلى قرقيسيا، الّتي ظنّ أهلها أنّ المسلمين مشغولون بفتح هيت، فكانت لقمة سائغة لهم. وتمّ فتحها على أيدي المسلمين في أوّل رمضان في السنة السابعة عشرة من الهجرة.