ما هو سبب نزول سورتي الفلق والناس
لقد قال المفسّرون أنّه كان هنام غلام من اليهود يخدم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فدنت إليه اليهود، ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها لليهود فسحروا للنّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي، ثمّ دسّها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان.
فمرض رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وانتثر شعر رأسه و لبث ستّة أشهر وهو يرى أنّه يأتي النّساء وهو لا يأتيهنّ، وجعل يذوق ولا يدري ما عراه، فبينتعرف ما هو نائم ذات يوم إذ جاءه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه: ما بال الرّجل؟ قال: طب، قال: وما الطب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جفّ طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان. و الجفّ هو قشر الطلع، والرّاعوفة هو حجر في أسفل البئر يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: يا عائشة أما شعرت أنّ الله أخبرني بدائي ؟!، ثمّ بعث عليّاً، والزّبير، وعمّار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنّه نقاعة الحنّاء، ثم رفعوا الصّخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة رأسه - صلّى الله عليه وسلّم - وأسنان مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدةً، مغروزةً بالإبر، فأنزل الله تعالى سورتي المعوذتين، فجعل كلما قرأ آيةً انحلت عقدة، ووجد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - خفّةً حتى انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنّما أنشط من عقال، وجعل جبريل عليه السّلام يقول: بسم الله أرقيك من كلّ شيء يؤذيك، ومن حاسد وعين الله يشفيك، فقالوا: يا رسول الله أفلا نؤم الخبيث فنقتله؟ فقال: أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على النّاس شراً، وكان ذلك من من حُلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (1)
تفسير سورة الفلق
سورة الفلق هي خمس آيات، وهي مكيّة في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، ومدنيّة في أحد قولي ابن عباس وقتادة، وسورة الفلق، وسورة النّاس، وسورة الإخلاص قد تعوّذ بهنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - حين سحرته اليهود، وقيل أنّ المعوذتين كان يقال لهما المقشقشتان، أي أنّهما تبرّئان من النّفاق.
وقد زعم ابن مسعود أنّهما دعاء تعوّذ به، وليستا من القرآن؛ وخالف بذلك الإجماع من الصّحابة وأهل البيت، قال ابن قتيبة:" لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين؛ لأنّه كان يسمع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يعوذ الحسن والحسين - رضي الله عنهما - بهما، فقدّر أنّهما بمنزلة أعيذكما بكلمات وعبارات الله التامّة، من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلّ عين لامّة ".
قال أبو بكر الأنباري:" وهذا مردود على ابن قتيبة؛ لأنّ المعوّذتين من كلام ربّ العالمين، المعجز لجميع المخلوقين؛ و" أعيذكما بكلمات وعبارات الله التامّة " من قول البشر بين، وكلام الخالق الذي هو آية لمحمد - صلّى الله عليه وسلّم - خاتم النّبيين، وحجّة له باقية على جميع الكافرين، لا يلتبس بكلام الآدميين، على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح اللسان، العالم باللغة، العارف بأجناس الكلام، وأفانين القول ". (2)
تفسير سورة الناس
يقول الله سبحانه وتعالى في ذكره لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: قل يا محمد أستجير " بربّ النّاس ملك النّاس "، وهو ملك جميع الخلق، من إنسهم وجنّهم، وغير ذلك، إعلاماً منه بذلك من كان يعظم النّاس تعظيم المؤمنين ربّهم أنّه ملك من يعظمه، وأنّ ذلك في ملكه وسلطانه، تجري عليه قدرته، وأنّه هو الأولى بالتعظيم، وأحقّ بالتعبّد له ممن يعظمه، ويتعبّد له، من غيره من النّاس.
وقوله:" إله النّاس "، يقول: معبود النّاس، الذي له العبادة دون كلّ شيء سواه، وقوله:" من شرّ الوسواس "، يعني: من شرّ الشّيطان " الخنّاس "، الذي يخنس مرّةً ويوسوس أخرى، وإنّما يخنس فيما ذكر عند ذكر العبد ربّه.
فعن ابن عباس قال:" ما من مولود إلا على قلبه الوسواس، فإذا عقل فذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس، قال: فذلك قوله:" الوسواس الخنّاس "، وعن ابن عباس في قوله " الوسواس الخنّاس "، قال:" الشّيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس، عن مجاهد " الوسواس الخنّاس " قال:" ينبسط فإذا ذكر الله خنس وانقبض، فإذا غفل انبسط.
والصّواب من القول في ذلك أنّ الله قد أمر نبيّه محمّداً - صلّى الله عليه وسلّم - أن يستعيذ به من شرّ شيطان يوسوس مرّةً ويخنس أخرى، ولم يخصّ وسوسته على نوع من أنواعها، ولا خنوسه على وجه دون وجه، وقد يوسوس بالدّعاء إلى معصية الله، فإذا أطيع فيها خنس، وقد يوسوس بالنّهي عن طاعة الله، فإذا ذكر العبد أمر ربّه فأطاعه فيه، وعصى الشّيطان خنس، فهو في كلّ حالتيه وسواس خنّاس، وهذه الصفة صفته.
فإن قال قائل: فالجنّ ناس ، فيقال: الذي يوسوس في صدور النّاس من الجنّة والنّاس، قيل: قد سمّاهم الله في هذا الموضع ناساً، كما سمّاهم في موضع آخر رجالاً فقال:" وأنّه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن "، فجعل الجنّ رجالاً، وكذلك جعل منهم ناساً. (2)
المراجع
(1) بتصرّف عن كتاب ما هى اسباب النزول/ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي / دار الكتب العلمية/ سنة النشر: 1421هـ / 2000م
(2) بتصرّف عن كتاب تفسير القرطبي/ محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي / دار الفكر.