بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،
إن بيع العِيْنَة هو أحد البيوع المحرمة المنهي عنها في الإسلام؛ لأنه يعتبر شكلًا من أشكال التحايل على الربا، ولهذا البيع عدة صور، ولكن الصورة الأشهر هي كما في هذا المثال: أن يشتري زيد من خالد سيارة بثمن مؤجل مقداره على سبيل المثال: 10000، فيستلم زيد السيارة، ومن ثم يقوم زيد على الفور بإعادة بيع السيارة إلى خالد بثمن معجل أقل من الثمن الأول المؤجل الذي لم يستلمه خالد بعد، وليكن مقداره مثلًا: 9000.
وعند تحليل هذه العملية نستنتج عدة أمور على النحو التالي:
- أنه لا غرض لزيد في تلك السيارة، فالسيارة تعود في النهاية إلى خالد.
- أن زيداً وخالداً لم يكونا يقصدان البيع والشراء من هذه العملية، وإنما كانا يقصدان الاقراض والإستقراض بالربا، وأنهما قد قاما بالتظاهر بالبيع والشراء حتى يتحايلان على الربا، فهذا البيع هو مال بمال بينهما تلك السيارة التي سرعان ما تعود للبائع الأول.
- أن النتيجة النهائية من العلمية الملتوية التي قام بها زيد وخالد: هي نقد حاضر في يد زيد مقداره 9000 دينار، مقابل 10000 دينار سيسددها لخالد، وهذا هو الربا بِعَيْنِه.
- وبهدف التستر على هذا القرض الربوي قام خالد ببيع تلك السيارة لزيد بثمن مؤجل، مقابل أن يقوم زيد على الفور بعد تَسَلُّمِه للسيارة بإعادة بيعها لخالد بثمن معجل أقل، فالفرق بين الثمنين المؤجل والمعجل هو الزيادة الربوية التي سيأخذها خالد، فكأن خالداً أقرض زيدًا 9000 دينار، ليعيدها له زيد 10000 دينار.
والعِيْنَة لغةً مشتقة من العين، وهو النقد الحاضر، حيث يقول صاحب لسان العرب: « وسميت عِيْنَةً لحصول النقد لطالب العينة، وذلك أن العينة إشتقاقها من العين، وهو النقد الحاضر، وهو النقد الحاضر، ويحصل له من فوره، والمشتري إنما يشتري ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة. » [راجع: لسان العرب].
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العينة، حيث قال: « إذا تبايعتم بالعِيْنَة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. » [صححه الألباني].
وحتى لو لم يكن هذا الحديث موجوداً، يستطيع الفقهاء بكل سهولة الإستدلال على حرمة هذا البيع.
إنّ بيع العينة هو في الحقيقة قرضٌ ربوي مستتر تحت صورة بيع، ولهذا كان محرماً في الإسلام، فهو ينافي مقاصد الشريعة الإسلامية وقواعدها التي تقتضي حرمة الربا وسد جميع الأبواب المفضية إليه، فالشريعة الإسلامية لا تحرم الربا وتبيح التحايل عليه بتلك الحيل القبيحة.
إن أكل الربا عن طريق الحيل أشد حرمة من أكله بشكل صريح ومباشر؛ لأن هذه الحيل تزيد على التعامل الصريح بالربا بأن فيها مخادعة لله والرسول، فأولئك المتحايلون يظنون أن حيلهم هذه ستخدع رب العالمين وسترضيه، ولكن الله هو خادعهم.