لا شكّ أن كلّ أمر في هذا الدين العظيم يُحقّق مصالح عظيمة ، وحِكم جليلة ، وأنّ هذا الدّين ما جاء إلاّ ليصلح حالنا وحال الأمم ، فلولا الدّين الاسلاميّ العظيم لسادت بين الناس شريعة الغاب ، ولأكل القوي حقّ الضعيف ، ولَما وجَدَ الواحد منّا سبيلاً إلى ضمان حقّه وسلامة أهله وذويه ونفسه.
ومن أركان الإسلام رُكن الزكاة ، هذا الرُكن الذي ترَكه الناس بعدَ وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، حينَ تسلّم صاحب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الخلافة وهوَ أبو بكر الصديق ، فقاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه الناسّ حتّى يؤدّوا فريضة الزكاة ، وشنّ عليهم الحروب حتّى يُذعنوا بآدائها فهيّ حقّ وركنٌ إسلاميّ عظيم لا يَكون الإسلام إلاّ به.
وتكون الزكاة فرضاً على كُلّ مسلمٍ يمتلكُ مالاً فاضَ عن حاجته وحالَ عليهِ الحول وبلّغ مالهُ النّصاب الشرعيّ الذي بحصوله وبحصول الملك التامّ لهذا المال تكون الزكاة واجبة على صاحبها ولا تسقط عنه أبداً.
وهذه الزكاة تؤخذ من أموال الأغنياء وتّردّ على فقراء المسلمين ، وتكون لهم عوناً ومصرفاً وسبيلا إلى قضاء مصالحهم وإعانتهم على الخير والبرّ ، وللزكاة مصارف شرعيةّ : للفقراء والمساكين والعاملين عليها من أهل جمع الزكاة وصندوق الزكاة ، وفي الرقاب أي الناس الذين هم في عداد الرقيق ، وفي سبيل الله أي ما يُنفق في سبيل الله من وجوه الخير أو الجهاد في سبيله ، وكذلك تُصرف للغارمين - أي الذين أثقل كاهلهم الدّين ، وكذلك تُصرف أموال الزكاة للمؤلفة قلوبهم من حديثي الدخول في الإيمان ونتودّد إليهم بمال الله الذي جعله من الأغنياء إلى مصارف الزكاة الشرعيّة.
وبتطبيق رُكن الزكاة العظيم يكون المُجتمع بذلك مُتضامناً مُتعاوناً ، الغنيّ يُنفق على الفقير فيه ، ويكون المال مُتداولاً بين النّاس وليس حِكراً بين الأغنياء منهم ، فهذا الوجه من الإنفاق والبذل في المال والعطاء هو نوعٌ مهمّ ووجهٌ مُشرق من وجوه التضامن والتكافل والتراحم ، كا أنّه يُزيل البغض والحقد من صدور الفقراء تجاه الأغنياء في المجتمع نتيجة لهذا التعاون والتكافل والتضامن والتراحم.
وكذلك حين يساهم الذين تتحقّق عليهم الزكاة في تفعيل وجوه الخير ، وفي إطعام الفقراء والمساكين ، وفي رفد خزينة الدولة لكي تكون أمّة قويّة في التجهّز للجهاد أو ردّ العدوان الخارجيّ الذي يُحدّق بالمجتمع المسلم؛ فإنّ المُجتمع عندها يتّصف بكونه مُجتمعاً متضماناً ومتعاونا ، وحينّ يكون المسلم الغنيّ مٌنفقاً على الشخص المؤلّف قلبه للإسلام فإنّ هذا تضامن من المسلم الغنيّ لأخيه المسلم الجديد الذي أكرمه الله سُبحانه وتعالى بهذا النور والهُدى.