الإنسان المؤمن الحق يلتزم بأداء جميع العبادات المفروضة عليه تقّرباً من الله عزّ وجل ونيلاً لمحبّته ورضاه، ومن أهمّ الأمور التي تقرب المسلم من الله سبحانه وتعالى هي إيتاء الزكاة؛ فالزّكاة هي ثالث الأركان الخمسة التي يرتكز عليها الإسلام، كما أنّ الزكاة والصلاة هما عمودا الإسلام، لذا كثيراً ما يقترن ذكر الزكاة بإقامة الصلاة في القرآن الكريم كما قال عزّ وجل: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"، وقد ذكر في القرآن الكريم بأنّ الزكاة لم تفرض بقدوم الإسلام فقط، بل تمّ فرضها في الأمم التي عاشت قبل الإسلام في عهد الأنبياء السابقين.
وكلمة الزكاة بشكل عام جاءت بمعنى التطهّر والنظافة والزيادة والنماء، فبإخراج المسلم جزءاً من ماله للزكاة فإنّه يطهر به ماله ونفسه، وتعتبر الزكاة اختباراً لمدى قوّة إيمان المسلم، ومدى التزامه بأوامر الله عزّ وجل، كما أنّها إحدى الوسائل التي تعزّز العلاقة الأخويّة والتكافل الاجتماعي بين المسلمين. والزّكاة في الشرع تعني: أنّها مقدار محدّد من المال أوجبه الله عزّ وجل على المستحقّين الّذين ذكرهم في كتابه الكريم، وهي فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، وقد تأتي الزكاة الشرعيّة بلغة القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة بلفظ الصدقة، كما ورد في قوله جلّ وعلا : " إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"، وقد وعد الله عزّ وجل المزكي بجزيل الأجر والثواب؛ فهي تدفع الشر عن المسلم، وتطهّر نفسه وتمنحه العافية، كما أنّها تطرح البركة والنماء في مال المسلم.
والزكاة الواجبة على المسلمين لها أشكال وأنواع متعدّدة، منها:
- زكاة الحرث.
- زكاة الأنعام.
- زكاة الفطر، والتي نحن بصدد الحديث عنها في مقالنا هذا.
وزكاة الفطر هي إحدى أنواع الزكاة التي فرضها الله عزّ وجل على المسلمين، وتسمّى أحياناً بزكاة الأبدان؛ وذلك لأنّها مفروضة على الشخص نفسه لا على ماله، أي إنّ الله عزّ وجل فرضها على المسلم ليطهّر بها نفسه لا ليطهّر ماله بها، كما أنها سميت زكاة الفطر لأنّها تدفع إلى مستحقّيها قبل إقامة صلاة عيد الفطر، أو من الممكن دفعها إلى مستحقيها قبل الانتهاء من صوم شهر رمضان المبارك، وما يدلّنا على وجوب زكاة الفطر هو قول ابن عباس رضي الله عنه: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ".
ومقدار زكاة الفطر هو صاع من القمح أو الشعير أو الأرز أو التمر أو الزبيب أو الطحين أو أي من الأشياء التي يقتات بها المسلم هو وعائلته، والصاع كما تمّ تحديده بإجماع المسلمين فإنّه يساوي 3 كغم، كما يمكن للمسلم أن يخرج قيمتها نقداً، وهي واجبة على المسلم المستطيع، والّذي يملك من المال ما يزيد عن حاجاته وحاجات عائلته الأساسية، وعلى المسلم إخراجها عن نفسه وزوجته، وكلّ من له حق النفقة عليه.
أمّا بالنسبة لوقت زكاة الفطر، فإنّها تجب منذ مغيب شمس آخر يوم في شهر رمضان المبارك وحتّى أول يوم العيد وقبل إقامة صلاة الفطر، لكن من السنة إخراجها قبل صلاة العيد وذلك لأنّها تنشر الفرح والسرور في قلوب مستحقّيها، ولا بأس في إخراجها في آخر يوم أو يومين من شهر رمضان المبارك، وينتهي وقت زكاة الفطر عند البدء بإقامة صلاة عيد الفطر، فمن أدّى الزكاة ضمن وقتها المحدّد فإن زكاته مقبولة، ومن أدّاها بعد صلاة عيد الفطر ناسياً فلا إثم عليه وتعتبر له صدقة، بينما من أخّرها متعمّداً إلى بعد صلاة عيد الفطر فإنّه آثم وعليه بالتوبة والاستغفار ودفع كفّارة.