برّ الوالدين
البرّ لُغةً يعني الخير، والصدق، والطاعة، والفضل، أمّا شرعاً يعني احترام وطاعة وإكرام الوالديْن، والإحسان إليهما ورفع الأذى عنهما، وتولي رعايتهما، والرفق بهما عند الكبر، والصبرّ عليهما، يُعتبرّ برُ الوالديْن من أجل الطاعات وأحبها التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وقرن الله تعالى عبادته مع الإحسان إليهما في الآية التالية: "وَقَضَى? رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ? إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً" [?].[?]
حديث شريف عن برّ الوالدين
حث الرسول عليه الصلاة والسلام على برّ الوالدين في أحاديث عديدة، وبيّن فضل برّ الوالدين كفضل الجهاد في سبيل الله، وبيّن أنّها من أعظم الطاعات، فيما يلي الأحاديث التي تحث على برّ الوالدين:
- سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم: "أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثمّ أي؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قال: ثمّ أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: حدّثني بهن، ولو استزدته لزادني". [?].
- جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فقال: "يا رسولَ اللهِ، من أحقُّ الناسِ بحُسنِ صَحابتي؟ قال: أُمُّك، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أُمُّك، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّأُمُّك، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أبوك".[?].
- أقبل رجلٌ إلى رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: "أُبايِعْك على الهجرةِ والجهادِ، أبتغي الأجرَ من اللهِ، قال فهل من والدَيك أحدٌ حيٌّ؟ قال نعم، بل كلاهما، قال فتبتغي الأجرَ من اللهِ؟ قال نعم، قال فارجِعْ إلى والدَيك فأحسِنْ صُحبتَهما".[?].
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "نمتُ فرأيتُني في الجنَّةِ فسَمِعْتُ صوتَ قارئٍ يقرأُ فقُلتُ مَن هذا فقالوا هذا حارثةُ بنُ النُّعمانِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلم كذلكَ البِرُّ كذلكَ البِرُّ وَكانَ أبرَّ النَّاسِ بأمِّهِ".[?].
- قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "رضا الرَّبِّ في رضا الوالدِ وسخطُ الرَّبِّ في سخطِ الوالدِ".[?]
- قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "رغِم أنفُ رجُلٍ ذُكِرْتُ عندَه فلَمْ يُصَلِّ علَيَّ، ورغِم أنفُ رجُلٍ أدرَك أبوَيْهِ عندَ الكِبَرِ فلَمْ يُدخِلاه الجنَّةَ، ورغِم أنفُ رجُلٍ دخَل عليه شهرُ رمضانَ ثمَّ انسلَخ قبْلَ أنْ يُغفَرَ له".[?].
- جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: "يا رسولَ اللهِ، ما الكبائرُ؟ قال الإشراكُ باللهِ، قال: ثمّماذا؟ قال: ثمّعقوقُ الوالدَينِ، قال: ثمّماذا؟ قال : اليمينُ الغموسُ، قلتُ : وما اليمينُ الغموسُ؟ قال: الذي يقتطعُ مالَ امرئٍ مسلمٍ، هو فيها كاذبٌ".[?]
- عن أبي هريريرة رضي الله عنه، قال: "ثلاثُ دعَواتٍ مُستَجاباتٌ لا شَكَّ فيهِنَّ دَعوةُ الوالِدِ، ودَعوَةُ المسافِرِ، ودعوَةُ المَظلومِ".[??]
أدلّة قرآنيّة على برّ الوالدين
- قال الله تعالى: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً".[??]
- قال الله تعالى: "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ".[??]
- قال الله تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [??]
- قال تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" [??]
أمثلة على برّ الوالدين
قدم لنا الصحابة رضوان الله عليهم أعظم الأمثلة في برّ الوالدين، منها الآتي:[??]
- ما يروى من أن الصحابي "أسامة بن زيد" كان له شجرة نخل مثمرة بالمدينة، وكانت النخلة تساوي قيمة ألف دينار، في أحد الأيام اشتهت أمه الجمار، وهو الجزء الرطب في قلب النخلة، فقطع أسامة بن زيد شجرة النخيل المثمرة ليُطعم جمارها إلى والدته، فلمّا سألوه الصحابة عن ذلك؟ أجابهم أي شيء تطلبه منّي أمي وأستطيع فعله إلّا قمت به.
- كان على بن الحسين باراً بأمه كثيراً، بالرغم من ذلك لم يكن يشاركها الأكل في إناءٍ واحد، فسألوه إنك كثير البرّ بأّمك ومع هذا لا نراك تأكل معها من نفس الإناء؟ أجاب أخاف أن آخذ شيئ تكون عينها سبقت إليه، فأصبح عاقاً.
- وهذا ظبيان بن علي الثوري كان شديد البرّ بأمه، وكان يسافر معها إلى مكة المكرمة، وعندما يكون الطقس شديد الحر، كان يحفر بئراً ثمّ يصّبُ فيه الماء، ويقول لأمّه : ادخلي هذا البئر علّلك تبردي فيه.
- عن أنس بن النضير الأشجعي : طلبت أم ابن مسعود سقيا ماء في ليلة من الليالي ثمّغلبها النوم، وعندما عاد لها بشربة ماء وجدها نائمة فثبت شربة الماء فوق رأسها حتّى أصبحت.
أفكار على برّ الوالدين
هذه بعض الأفكار التي ممكن تطبيقها مع والديك لنيل رضاهم ورضى رب العالمين.[??]
- مخاطبتهما باحترام، وبالكلام الحسن، وبصوت منخفض.
- تقبيل رأسهما عند دخول البيت.
- إكرامهما والإنفاق عليهما.
- التودد لهما، وإدخال السرور لهما بالهدايا والأشياء التي يحبونها.
- المسارعة في تلبية نداءهما عند الطلب، وعم التذمر منهما.
- عدم رفع الصوت عليهما، ومنادتهما بأحب الألقاب لهما.
- الصبرّ عليهم، فهو كالجهاد.
- المشي وراء والديْك، أو بجانبها، أمّا أمامها لا تمش أبداً، ولا تجلس قبلهما، ولا تبدأ بأكل الطعام قبلهما.
- مشاورتهما واخذ رأيهما في بعض الأمور.
- تقديم الخدمة لهما، والتردد عليهما دائماً.
- تعليمهما ما ينفعهما في الحياة اليومية، وفي أمور الدين.
- مداعبتهما بالرفق واللين من أحب الطاعات إلى الله عزّ وجلّ، وإدخال السرور لهما بنقل الأخبار الحسنة دون الأخبار السيّئة.
- لا تكثر الطلبات منهما، ودائماً اشكرهم على ما قدّموه لك.
- ادع لهما دائماً بالمغفرة والرحمة حتّى بعد موتهما وانقطاعهما عن هذه الدنيا.
- إيّاك ومجادلتهما وقت الغضب.
فضل برّ الوالدين
يُعتبرّ برّ الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها عند الله عزّ وجلّ، حتّى أنها جاءت أحياناً بعد الصلاة، أو بمرتبة الجهاد، وغيرها من الفضل العظيم الذي يعود بالنفع على المسلم البار، هذه بعض النقاط التي تبين الخير والنفع الذي يعود على المسلم البار.[??]
- سبب لزيادة العمر والرزق،عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "من سره أن يُمد له عمره، ويزاد في رزقه فليبرّ والديه وليصل رحمه"[??].
- سبب لكسب برّ الأبناء لاحقاً، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم".[??]
- سبب لمغفرة ذنوب العبد، كما ورد في الآية الكريمة، قال الله تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ" [??]