يقسم الأدب إلى قسمين: الشعر والنثر. والشعر هو الكلام الموزون سواء أكان شعرا عموديا أو ما يسمّى بالشعر التقليدي الذي يقوم على بحور الشعر الستة عشر الذي ذكرها الخليل بن أحمد الفراهيدي. والشعر الحر الذي يقوم على تفعيلة واحدة، وقد ظهر في القرن العشرين، ومن رواده نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ثم سار على طريقهما بعد ذلك شعراء كثيرون أبرزهم نزار قباني ومحمود درويش و أحمد مطر وغيرهم، وما يختلف به الشعر الحرّ عن العمودي إضافة إلى قيام الشعر الحر على تفعيلة واحدة وقيام الشعر العمودي على بحور شعرية صافية وممزوجة أن الشعر الحر تفلّت من حصار القافية الذي كان يدور فيه الشعر العمودي، ولم يعد الشاعر مجبرا على تكرار القافية ذاتها في كلّ بيت، بل تحرر منها تماما.
أمّا النثر فهو النصوص الأدبية الفنية الأخرى كالخطب والمقامات والروايات والقصص، أيّ أنه يخلو من الوزن والقافية، لكنه ينطوي على بسمات وخصائص لغوية نحو كثرة التشبيهات والاستعارات والمحسنات البديعية التي تكون عماد الفعل الشعري، وقد يوصف النص النثر بالنص الشعري عندما يمتلئ بالخصائص الشعري مثل تكرار الطباق أو الألفاظ أو الأساليب اللغوية التي تخلق إيقاعا وجرسا موسيقيا عاليا يسهم في زيادة جمالية النص وألقه.
إذن يمكن حصر الفروق بين الشعر والنثر بثلاثة نقاط هي:
1. اعتماد الشعر بأنواعه المختلفة: العمودي والحر والموشحات والبنود والمخمسات على الوزن والقافية، وهذه الأنواع الشعرية تختلف بينها في شكل الوزن. أمّا النثر فيخلو من الوزن والقافية، و إذا قيل إن شعر التفعيلة (الحر) يخلو من القافية يرد على ذلك بأنّ شعر التفعيلة موزون وهذا لا يكون للنثر، كما أنّ القافية ظلت في أذهان الشعراء الذين ينظمون قصائدهم على نظام الشعر الحر، ولم يتخلوا عنها بل يميلون لها لما لها من أثر في إظهار موسيقى القصيدة، وهو مطلب مهم في الشعر، على خلاف النثر؛ فالنثر لا يرجو الموسيقى ولا يسعى لها حثيثا، وإن كان ذلك يصيب بعض النصوص النثرية فيثريها، لكنه ليس فرضا واجبا في النثر كتعرف ما هو الحال في الشعر، إذ يعد خلو الشعر من الموسيقى من مبطلات الشعر، ومن تصاب قصيدته بهذا الداء عليه أن يجبر كسرها ويعيد بناءها.
2.الإيقاع الداخلي الذي يجب أن يتحقق في الشعر في حين ليس مطلوبا في النثر، فالقصيدة يجب أن تحتوي ظواهر فنية و أساليب لغوية متكررة تزيد من الإيقاع العام في القصيدة، أمّا في النثر فإن وجد ذلك فهو أمر جيد فإن لم يوجد فلابأس ولا يعد ضعفا و وهنا فيه على عكس الشعر
3. اللغة في الشعر تختلف عن لغة النثر. يجب أن تكون لغة الشعر موحية ذات موسيقى، ولغة الشعر هي الهوية التي تمنح النص الشعري الإبداع والتميز عن غيره من النصوص، وقد رسم النقاد حدودا للشعراء يتحركون فيها في انتقاء كلماتهم، فكلّ سياق يناسبه نوع معين من الكلمات، فالغزل تناسبه كلمات وعبارات اللطافة والرقة والعذوبة والانسيابية، أمّا الهجاء فتناسبه القوّة والشدة والصلابة. إضافة إلى تناسب الكلمات وعبارات مع سياقاتها يجب أن تكون الكلمات وعبارات ذات إيحات متعددة وتتفرع رمزيتها، وهذا الأمر ليس شاغلا للناثر. وهنا قد يقول قائل: إن الرمزية وتعدد الدلالة صبغة حديثة للشعر، ولم يكن الشعر القديم يصطبغ بهذه الصبغة، والجواب عن ذلك بأن الشعر القديم و إن كان لا يستكثر من الرمزية إلا أنه يقوم على الإيحاء والاختصار، فالشاعر يعبر عما يريد دون تفصيل و إطالة كما يحدث في النثر الذي يعتد على الشرح والبيان فالخطيب يظل بحاجة إلى توضيح رأيه لا تعميته وكذلك صاحب القصة والرواية، أما الشاعر القديم أو الحديث فهو غير منشغل بفكرة التوضيح، بل قد يعمد إلى الغموض والتعمية، ليزيد من حيوية النص وجماله.