البحتري
هو الوليد بن عبيد بن يحيى أبو عبادة، شاعر عربي النسب والانتماء، ولد في منبج وعاش في طفولته وصباه بين منبج وحلب. في حلب عرف علوة الحلبية التي ذكرها في شعره.
كانت وفاة أبي تمام فرصة للشعراء المغمورين في ظله أن يظهروا، فعاد البحتري إلى العراق، واتصل بالوزير الفتح بن خاقان ووطّد صلته به، وتوسل الشاعر به ليصل إلى الخليفة المتوكّل، فسمت مكانته عندهما، وكثرت المدائح فيهما، وعطاياهما له. ولما اعتلى المنتصر بن المتوكل العرش غادر البحتري إلى الديار المقدّسة ليؤدي فريضة الحج، ولكنه عاد إلى العراق ليمدح الخليفة نفسه الذي كان عرض به لتآمره على والده مع نفر من القادة الأتراك.
خرج في آخر عمره إلى منبج وأقام هناك حتى أدركته توفّي عام 284 هجرية. (1)
قصيدة الوفاء
قَد فقَدْنا الوَفاءَ فَقدَ الحَميمِ
وَبَكَينَا العُلَى بُكَاءَ الرّسُومِ
لا أُمِلُّ الزّمَانَ ذَمّاً، وَحَسْبي
شُغُلاً أنْ ذَمَمْتُ كُلّ ذَميمِ
أتَظُنُّ الغِنَى ثَوَاباً لِذِي الهِمّةِ
مِنْ وَقْفَةٍ بِبَابِ لَئِيمِ
وَأرَى عِنْدَ خَجْلَةِ الرّدّ منّي
خَطَراً في السّؤالِ، جِدَّ عَظيمِ
وَلَوَجْهُ البَخيلِ أحْسَنُ في
بَعْضِ الأحَايينِ مِنْ قَفَا المَحرُومِ
وَكَرِيمٌ عَدا، فأعْلَقَ كَفّي
مُسْتَميحاً في نِعْمَةٍ مِن كَرِيمِ
حَازَ حَمدي، وَللرّياحِ اللّوَاتي
تَجْلُبُ الغَيثَ، مثلُ حَمدِ الغيومِ
عَوْدَةٌ بَعدَ بَدْأةٍ مِنكَ كانَتْ
أمسِ، يا أحمَدُ بنُ عَبدِ الرّحيمِ
مَا تَأنّيكَ بالظّنِينِ وَلا وَجْهُكَ
في وَجهِ حاجتي بشَتيمِ
قصيدة أبى الليل
أبَى اللّيلُ، إلاّ أنْ يَعُودَ بِطُولِهِ
عَلى عَاشِقٍ نَزْرِ المَنَامِ قَليلِهِ
إِذا مَا نَهَاهُ العَاذِلُونَ تَتَابَعَتْ
لهُ أَدْمُعٌ لا تَرْعَوِي لِعَذُوِلِهِ
لَعَلّ اقترَابَ الدّارِ يَثني دُمُوعَهُ،
فَيُقلِعَ، أو يُشفَى جَوًى من غَليلِهِ
وَما زَالَ تَوْخِيدُ المَهَارِي، وَطَيُّهَا
بِنَا البُعْدَ من حَزْنِ الفَلاَ وَسُهُولِهِ
إلى أن بدا صَحنُ العِرَاقِ، وَكُشّفتْ
سُجُوفُ الدّجَى عَن مائِهِ وَنَخِيلِهِ
تَظَلُّ الحَمامُ الوُرْقُ، في جَنَبَاتِهِ،
يُذَكّرهَا أحْبَابَنَا بِهَدِيلِهِ
فأحْيَتْ مُحِبّاً رُؤيَةٌ مِنْ حَبِيبِهِ،
وَسَرّتْ خَليلاً أوْبَةٌ مِنْ خَليلِهِ
بِنُعْمَى أميرِ المؤمِنِينَ وَفَضْلِهِ،
غدا العَيشُ غَضّاً بعدَ طولِ ذُبُولِهِ
إمَامٌ، رَآهُ الله أوْلَى عِبَادِهِ
بحَقٍّ، وأهْدَاهُمْ لِقَصْدِ سَبِيلِهِ
خَليفَتُهُ في أرْضِهِ، وَوَلِيُّهُ الـ
ـرَضِيُّ لَدَيْهِ، وابنُ عَمّ رَسُولِهِ
وَبَحْرٌ يَمُدُّ الرّاغِبُونَ عُيُونَهُم
إلَى ظَاهِرِ المَعْرُوفِ فيهِمْ، جَزِيلهِ
تَرَى الأرْضَ تُسقَى غَيثَها بمُرُورِهِ
عَلَيْهَا، وتُكْسَى نَبْتَهَا بِنُزُولِهِ
أتَى مِنْ بِلاَدِ الغَرْبِ في عَدَدِ النّقَا،
نَقَا الرّملِ، مِنْ فُرْسَانِهِ وَخُيُولِهِ
فأسفَرَ وَجْهُ الشّرْقِ، حتى كأنّما
تَبَلَّجَ فيهِ البَدْرُ بَعدَ أُفُولِهِ
وَقَدْ لَبسَتْ بَغدادُ أحسَنَ زِيّهَا
لإقْبَالِهِ، واستَشْرَفَتْ لِعُدُولِهِ
وَيَثْنِيهِ عَنْهَا شَوْقُهُ وَنِزَاعُهُ،
إلى عَرْضِ صَحنِ الجَعفَرِيّ وَطُولِهِ
إلى مَنْزِلٍ، فيهِ أحِبّاؤهُ الأُلي
لِقَاؤهُمُ أقْصَى مُنَاهُ، وَسُولِهِ
مَحَلٌّ يُطِيبُ العيشَ رِقّةُ لَيْلِهِ
وَبَرْدُ ضُحَاهُ، وَاعتِدَالُ أصِيلِهِ
لَعَمْرِي، لَقَد آبَ الخَليفَةُ جَعْفَرٌ،
وَفي كلّ نَفسٍ حاجةٌ من قُفُولِهِ
دَعاهُ الهَوَى مِنْ سُرّ مَنْ رَاءَ فانكَفَا
إلَيها، انكِفَاءَ اللّيثِ تِلقَاءَ غِيلِهِ
على أنّها قَدْ كَانَ بُدّلَ طِيبُها،
وَرُحّلَ عَنْهَا أُنْسُهَا برَحِيلِهِ
وإفْرَاطُها في القُبحِ، عندَ خُرُوجِهِ،
كإفرَاطِهَا في الحُسنِ، عندَ دُخُولِهِ
ليَهْنَ ابنَهُ، خَيرَ البَنينَ، مُحَمّداً،
قُدُومُ أبٍ عَالي المَحَلّ، جَليلِهِ
غَدا، وَهوَ فَرْدٌ في الفَضَائِلِ كُلّها،
فهَلْ مُخبِرٌ عَن مِثلِهِ، أوْ عَدِيلِهِ
وإنّ وُلاةَ العَهدِ في الحِلمِ والتُّقَى،
وفي الفَضْلِ مِنْ أمثالِهِ وشُكُولِه
قصيدة أتراه يظنني أو يراني
أتَرَاهُ يَظُنُّني، أوْ يَرَانِي،
نَاسِياً عَهْدَهُ الذي استَرْعَاني ؟
لا وَمَنْ مَدّ غَايَتي في هَوَاهُ،
وَبَلاني مِنْهُ بِما قَدْ بَلاَني
سَكَنٌ يَسْكُنُ الفؤَادَ عَلَى مَا
فيهِ مِنْ طَاعَةٍ، وَمن عِصْيانِ
شَدّ ما كَثّرَ الوُشَاةُ وَلاَمَ الـ
ـنّاسُ في حُبّ ذَلِكَ الإنْسَانِ
أيّهَا الآمِرِي بتَرْكِ التّصَابي،
رُمْتَ منّي ما لَيسَ في إمْكاني
خَلِّ عَنّي، فَما إلَيكَ رَشَادي
من ضَلالي، وَلا عَلَيكَ ضَمَاني
وَنَدِيمٍ، نَبّهْتُهُ وَدُجَى اللّيْـ
ـلِ، وَضَوْءُ الصّبَاحِ يَعتَلِجَانِ
قُمْ نُبَادِرْ بهَا الصّيَامَ فَقَدْ أقْـ
ـمَرَ ذَاكَ الهِلاَلُ مِنْ شَعْبَانِ
بِنتُ كَرْمٍ يَدْنُو بها مُرْهَفُ القَدّ
غَرِيرُ الصّبَا خَضِيبُ البَنَانِ
أُرْجُوَانِيّةٌ، تُشَبَّهُ في الكَا
سِ بِتُفّاحِ خَدّهِ الأُرْجُوَانِي
بَاتَ أحْلى لَدَيّ مِنْ سِنَةِ النّوْ
مِ، وأشهَى من مُفرِحَاتِ الأمَاني
للإمَامِ المُعْتَزّ بالله إعْزَا
رٌ مِنَ الله قاهِرِ السّلْطانِ
مَلِكٌ يَدْرَأُ الإسَاءَةَ بالعَفْـ
ـوِ وَيَجْزِي الإحسانَ بالإحسانِ
سَلْ به تُخْبَرِ العَجيبَ، وإن كا
نَ السّماعُ المأثُورُ دونَ العِيَانِ
وَتأمّلْهُ مِلْءَ عَيْنَيْكَ، فانظرْ
أيَّ رَاضٍ في الله، أوْ غَضْبَانِ
بَسْطَةٌ تُرْهِقُ النّجُومَ، وَمَلْكٌ
عَظُمَتْ فيهِ مأثُرَاتُ الزّمَانِ
أذْعَنَ النّاكِثُونَ إذْ ألقَتِ الحَرْ
بُ عَلَيهمْ بكَلْكَلٍ وَجِرَانِ
فَفُتُوحٌ يَقصُصْنَ، في كلّ يَوْمٍ،
شأنَ قَاصٍ من الأعادي وَدانِ
كلُّ رَكّاضَةٍ منَ البُرْدِ يَغدُو الـ
ـرّيشُ أوْلى بها مِنَ العُنْوَانِ
قد أتَانَا البَشِيرُ عَنْ خَبَرِ الخَا
بُورِ بالصّدْقِ، ظاهِراً، والبَيَانِ
عَنْ زُحُوفٍ منَ الأعادي وَيَوْمٍ
مِنْ أبي السّاجِ فيهِمِ، أرْوَنَانِ
حُشِدَتْ مَرْبَعَاءُ فيهِ وَمَرْدٌ،
وَقُصُورُ البَلّيخِ والمَازِجانِ
وَتَوَافَتْ حَلائِبُ السَّلْطِ والمَرْ
جَينِ مِنْ دَابِقٍ، وَمن بَطْنانِ
تَتَثَنّى الرّماحُ، والحَرْبُ مَشْبُو
بٌ لَظَاهَا تَثَنّيَ الخَيْزُرَانِ
كُلّمَا مَالَ جَانِبٌ من خَمِيسٍ،
عَدّلَتْهُ شَوَاجِرُ الخِرْصَانِ
فَلَجَتْ حُجَّةُ المَوَالِي ضِرَاباً
وطِعَاناً لَمَّا الْتَقَى الخَصْمَانِ َ
فَقَتِيلٌ تَحتَ السّنَابِكِ يُدْمَى،
وأسِيرٌ يُرَاقِبُ القَتْلَ، عَانِ
لمْ تَكُنْ صَفْقَةُ الخِيَارِ عَشِيّاً
لابنِ عَمْرٍو فيها، ولا صَفْوَانِ
جَلَبَتْهُمْ، إلى مَصَارِعِ بَغْيٍ،
عَثَرَاتُ الشّقَاءِ، والخِذْلانِ
أسَفاً للحُلُومِ كَيفَ استَخَفّتْ،
بِغُلُوِّ الإسْرَافِ والطّغْيَانِ
كَيفَ لمْ يَقْبَلُوا الأمَانَ وَقَدْ كا
نَتْ حَيَاةٌ لمِثْلِهِمْ في الأمَانِ
يا إمَامَ الهُدَى نُصِرْتَ، ولا زِلْـ
ـتَ مُعَاناً باليُمْنِ والإيمَانِ
عَزّ دينُ الإلَهِ في الشَّرْقِ والغَرْبِ
بِبِضِ الأَيَّامِ مِنْكَ الحِسَانِ
واضْمَحَلَّ الشِّقَاقُ في الأرْضِ مُذْ طَا
عَ لكَ المَشْرِقَانِ والمَغْرِبَانِ
لمْ تَزَلْ تَكْلأُ البلادَ بقَلْبٍ
ألْمَعيٍّ، وَنَاظِرٍ يَقْظَانِ
إِنَّما يَحْفَظُ الأُمُورَ ويُتْوِيــ
ــهِنَّ بِحَزْمٍ مُواشكٍ أَو تَوَانِ
مَا تَوَلّى قَلْبي سِواكُمْ، وَلاَ ما
لَ إلى غَيْرِكمْ بمَدْحٍ لِسَاني
شأنيَ الشّكْرُ والمَحَبّةُ مُذْ كُنْـ
ـتُ وَحَقٌّ عَلَيْكَ تَعظيمُ شَاني
ضَعَةٌ بي، إنْ لمْ أنَلْ بِمَكَاني
مِنْكَ عِزّاً، مُسْتأنِفاً في مَكاني
قصيدة بين أفق الصبا وأفق الدبور
بين أفق الصبا وأفق الدبور
حسد أو تنافس في الوزير
كلما يسر الركاب لأرض
أوثرت دون غيرها بالحبور
هبرزي ينافس الشرق والغر
ب سنا ضوء وجهه المستنير
وندى كفه التي نسب الجو
د إليها تعاقب ابني سمير
يا أبا الصقر لا يرم ظل نعما
ئك يضفو وزند عودك يوري
لم تزل معوز الشبيه وفي النا
س بقايا فضل قليل النظير
أنت غيث الغيوث يحيا به القو
م إذا أمحلوا وبحر البحور
لا تضامن حاجتي وأبو طلحة من
صورك الشريف نصيري
قد تبرعت لي بمالك فاشفعـ
ـه بمالي الموقوف عند بشير
جملة أو صبابة يرتضيها
سائر أهبة لهذا المسير
وقليل النوال ينفع إن لم
ترني اليوم موضعا للكثير
قصيدة سألتك بالكميتي الصغير
سألتك بالكميتي الصغير
وصورة وجهه الحسن المنير
وما يحويه من خلق رضي
يشاد به ومن أدب كبير
وتجويد الحروف إذا ابتداها
مقومة وتعديل السطور
ألم تعلم بأن بني فرات
ألو العلياء والشرف الكبير
وأن على أبي العباس سيما
تخبر منه عن كرم وخير
إذا عرضت محاسنه علينا
شكرناه على نصح الشكور
نؤمله لرغبتنا إليه
ونأمله وزيراً للوزير
قصيدة شوق إليكِ
شَوْقٌ إلَيكِ، تَفيضُ منهُ الأدمُعُ،
وَجَوًى عَلَيكِ، تَضِيقُ منهُ الأضلعُ
وَهَوًى تُجَدّدُهُ اللّيَالي، كُلّمَا
قَدُمتْ، وتُرْجعُهُ السّنُونَ، فيرْجعُ
إنّي، وما قَصَدَ الحَجيجُ، وَدونَهم
خَرْقٌ تَخُبُّ بها الرّكابُ، وتُوضِعُ
أُصْفيكِ أقصَى الوُدّ، غَيرَ مُقَلِّلٍ،
إنْ كانَ أقصَى الوُدّ عندَكِ يَنفَعُ
وأرَاكِ أحْسَنَ مَنْ أرَاهُ، وإنْ بَدا
مِنكِ الصّدُودُ، وبَانَ وَصْلُكِ أجمعُ
يَعتَادُني طَرَبي إلَيكِ، فَيَغْتَلي
وَجْدي، وَيَدعوني هَوَاكِ، فأتْبَعُ
كَلِفٌ بحُبّكِ، مُولَعٌ، وَيَسُرُّني
أنّي امْرُؤٌ كَلِفٌ بحُبّكِ، مُولَعُ
شَرَفاً بَني العَبّاسِ، إنّ أبَاكُمُ
عَمُّ النّبيّ، وَعِيصُهُ المُتَفَرّعُ
إنّ الفَضِيلَةَ للّذي اسْتَسقَى بهِ
عُمَرٌ، وَشُفّعَ، إذْ غَدا يُستَشفَعُ
وَأرَى الخِلاَفَةَ، وَهيَ أعظَمُ رُتبَةٍ،
حَقّاً لَكُمْ، وَوِرَاثَةً مَا تُنزَعُ
أعْطاكُمُوها الله عَنْ عِلْمٍ بِكُمْ،
والله يُعْطي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ
مَنْ ذَا يُسَاجِلُكمْ، وَحَوْضُ مُحَمّدٍ
بِسِقَايَةِ العَبّاسِ فيكُمْ يَشفَعُ
مَلِكٌ رِضَاهُ رِضا المُلُوكِ، وَسُخطُه
حَتْفُ العِدى، وَرَداهُمُ المُتَوَقَّعُ
مُتَكَرِّمٌ، مُتَوَرّعٌ عِنْ كُلّ مَا
يَتَجَنّبُ المُتَكَرّمُ المُتَوَرّعُ
يا أيّهَا المَلِكُ الذي سَقَتِ الوَرَى،
مِنْ رَاحَتَيِهِ، غَمَامَةٌ ما تُقلِعُ
يَهْنِيكَ في المُتَوَكّلِيّةِ أنّهَا
حَسُنَ المَصِيفُ بها، وَطَابَ المَرْبَعُ
فَيْحَاءُ مُشْرِقَةٌ يَرِقُّ نَسيمُهَا
مِيثٌ تُدَرّجُهَُ الرّياحُ وأجْرَعُ
وَفَسيحَةُ الأكْنَافِ ضَاعَفَ حُسنَها
بَرٌّ لَهَا مُفْضًى، وَبَحْرٌ مُتْرَعُ
قَدْ سُرّ فيها الأوْلِيَاءُ، إذِ التَقَوْا
بِفِنَاءِ مِنْبَرِهَا الجَديدِ، فَجُمّعُوا
فَارْفَعْ بدارِ الضّرْبِ باقيَ ذِكْرِها،
إنّ الرّفيعَ مَحَلُّهُ مَنْ تَرْفَعُ
هَلْ يَجْلُبَنّ إليّ عَطْفَكَ مَوْقِفٌ
ثَبْتٌ لَدَيكَ، أقُولُ فيهِ وَتَسْمَعُ
مَا زَالَ لي مِنْ حُسنِ رَأيِكَ مُوْئلٌ
آوِي إلَيهِ، مِنَ الخُطُوبِ، وَمَفزَعُ
فَعَلاَمَ أنكَرْتَ الصّديقَ، وأقبَلَتْ
نَحوِي رِكابُ الكَاشِحِينَ تَطَلَّعُ
وَأقَامَ يَطْمَعُ في تَهَضّمِ جَانِبي
مَن لم يكُنْ، من قَبلُ، فيهِ يَطمَعُ
إلاّ يَكُنْ ذَنْبٌ، فعَدْلُكَ وَاسعٌ،
أوْ كَانَ لي ذَنْبٌ، فَعَفْوُكَ أوْسَعُ
قصيدة إن رقّ لي قلبك
إنْ رَقّ لِي قَلْبُكِ مِمّا أُلاقْ
مِنْ فَرْطِ تَعذِيبٍ، وفرْطَِ اشتياقْ
وَجُدْتِ بالوَصْلِ عَلى مُغْرَمٍ،
فَزَوّديني مِنْكِ قَبْلَ انْطِلاَقْ
إنْ أنتِ وَدّعْتِ بِتَقْبِيلَةٍ،
كانَتْ يَداً مَشكُورَةً للفِرَاقْ
أُحاذِرُ البَينَ مِنَ أجْلِ النّوَى،
طَوْراً، وأهوَاهُ مِنْ أجلِ العِناقْ
قَدْ جَعَلَ الله إلى جَعْفَرٍ
حِيَاطَةَ الدّينِ، وَقَمْعَ النّفاقْ
طاعَتُهُ فَرْضٌ، وَعِصْيَانُهُ
من أعظَمِ الكُفْرِ، وأعلى الشّقاق
مَنْ لَمْ يُبِحْكَ النّصْحَ مِنْ قَلْبِهِ،
فَمَا لَهُ في دِينِهِ مِنْ خَلاقْ
فاسْلَمْ لَنَا يَسْلَمْ لَنَا عِزُّنَا،
وابْقَ، فإنّ الخَيرَما عشتَ باقْ
إنّ دِمَشْقاً أصْبَحَتْ جَنّةً،
مُخضَرّةَ الرّوْضِ، عَذاةَ البِرَاقْ
هَوَاؤها الفَضْفَاضُ غَضُّ الندى،
وَمَاؤُها السَّلسالُ عَذْبُ المَذاق
والدهرُ طَلقٌ بينَ أَفْيَائِها
والعَيْشُ فيها ذو حَوَاشٍ رِقَاقْ
ناظِرَةٌ نَحْوَكَ مُشْتَاقَةٌ
مِنكَ إلى القُرْبِ، وَوَشْكِ التّلاقْ
وَكَيْفَ لا تُؤثِرُها بالهَوَى،
وَصَيْفُها مِثْلُ شِتَاءِ العِرَاقْ
قصيدة أفي مستهلّات الدموع
أفي مُسْتَهِلاّتِ الدّموعِ السّوَافحِ،
إذا جُدْنَ، بُرْءٌ من جوًى في الجَوَانحِ
لَعَمْرِي، لَقَدْ بقَى وَصِيفٌ بهُلكه
عَقابيلَ سُقمٍ للقلوب الصّحَائحِ
أسًى مُبرِحٌ، بَزّ العُيُونَ دُمُوعَها،
لمَثْوَى مُقيمٍ في الثّرَى غيرِ بَارِحِ
فَيالكَ مِنْ حَزْمٍ وَعَزْمٍ طَوَاهُما
جَديدُ الرّدى، تحتَ الثرى وَالصّفائحِ
إذا جَدّ نَاعيهِ، تَوَهّمْتُ أنّهُ
يُكَرّرُ، مِنْ أخبارِهِ، قَوْلَ مازِحِ
وَما كنتُ أخشَى أنْ يُرَامَ مَكانُهُ
بشيءٍ سوَى لحظِ العُيونِ الطّوَامحِ
وَلَوْ أنّهُ خَافَ الظُّلامَةَ لاعْتَزَى
إلى عُصَبٍ غُلْبِ الرّقابِ، جحاجحِ
فَيَا لَضَلالِ الرّأيِ كَيفَ أرَادَهُ
أحِبّاؤهُ بالمُعْضِلاتِ الجَوَائحِ
تَغَيّبَ أهلُ النصرِ عَنهُ وَأُحضِرَتْ
سَفاهَةُ مَضْعُوفٍ، وَتَكثيرُ كاشحِ
فألاّ نَهاهُمْ، عَنْ تَوَرّدِ نَفْسِهِ،
تَقَلُّبُ غَادٍ في رِضَاهُمْ، وَرَائحِ
وَألاّ أعَدّوا بَأسَهُ وَانْتِقَامَهُ،
لكَبْشِ العَدُوّ المُستَميتِ المُناطحِ
قَتيلٌ يَعُمُّ المُسْلِمِينَ مُصَابُهُ،
وَإنْ خَصّ من قُرْبٍ قُرَيشَ الأباطحِ
تَوَلّى بعَزْمٍ للخِلافَةِ نَاصِرٍ،
كَلُوءٍ، وَصَدْرٍ للخَليفَةِ ناصِحِ
وَكَانَ لتَقوِيمِ الأُمُورِ، إذا التَوَتْ
عَلَيه وَتَدبيرِ الحُرُوبِ اللّوَاقحِ
إذا ما جَرَوْا في حَلبَةِ الرّأيِ بَرّزَتْ
تَجاريِبُ مَعرُوفٍ لَهُ السّبقُ قارِحِ
سقى عَهدَهُ، في كلّ ممسى وَمَصْبَحٍ،
دِرَاكُ الغُيومِ الغاديات الروائح
تَعَزّ أمِيرَ المُؤمِنِينَ، فإنّهَا
مُلِمّاتُ أحداثِ الزّمانِ الفَوَادِحِ
لَئِنْ عَلِقَتْ مَوْلاكَ صُبحاً فبَعدَما
أقامَتْ على الأقوَامِ حسرَى النّوَائحِ
مَضَى غَيرَ مَذمُومٍ، وَأصْبَحَ ذِكرُهُ
حُليَّ القَوَافي، بَينَ رَاثٍ وَمادِحِ
فلَمْ أرَ مَفقُوداً لَهُ مِثْلُ رُزْئِهِ،
وَلا خَلَفاً مِنْ مِثْلِهِ مِثلَ صَالحِ
وَقُورٌ تُعَانيهِ الأُمُورُ، فتَنْجَلي
غَيَابَتُهَا عَنْ وَازِنِ الحِلمِ، رَاجحِ
رَمَيتَ بهِ أُفْقَ الشّآمِ، وَإنّمَا
رَمَيْتَ بنَجْمٍ في الدُّجُنّةِ لائِحِ
إذا اختَلَفَتْ سُبلُ الرّجالِ وَجَدْتَهُ
مُقيماً عَلى نَهجٍ من القول، وَاضِحِ
سَيُرْضِيكَ هَدْياً في الأُمورِ وَسيرَةً،
وَيكفيكَ شَعبَ الأبلَخِ المُتَجانِحِ
المراجع
(1) بتثرّف عن مقالة البحتري، al-hakawati.net